مفهوم الأخلاق (2-3)

 

3- الخلق في الإسلام:

  يطلق الخلق في الإسلام ويراد به الدين بشرائعه وأوامره وآدابه, كما يطلق  ويراد به ما يكون في المعاملة بين الناس.

   فيطلق ويراد به الدين, كما قال ابن عباس(1) في قول الله عز وجل عن نبيه عليه الصلاة والسلام: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (2), قال: على دين عظيم, وهو الإسلام, وكذا قال مجاهد(3), وجماعة من السلف(4).

  وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثت لأتم مكارم الأخلاق) (5), وقد جاء بشريعة كاملة ودين قويم.

   ومما يدل على شمول الأخلاق في الإسلام أيضاً, ما جاء في بعض الأحاديث من بيان سعة مجال تطبيقها بما يشمل علاقة العبد بربه وعلاقته بنفسه وفيما بينه وبين الخلق, كما قال عليه الصلاة والسلام : (استحيوا من الله حق الحياء), قال ابن مسعود(6):قلنا يا نبي الله: إنا نستحيي والحمد لله, قال: "ليس كذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء": أن تحفظ الرأس وما وعى, وتحفظ البطن وما حوى, وتذكر الموت والبلى, ومن أراد الآخرة ترك زين الحياة الدنيا, فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء(7)

  فهذه أعمال لقيمة الحياء فيما بين العبد وربه, ومثل ذلك الصدق فمن مجالاته الصدق مع الله تعالى, كما قال تعالى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } (8), وقال تعالى: { فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ } (9)

  كما أن من الأخلاق ما مجاله الفرد نفسه كما قال تعالى في الأمانة: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (10), وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } (11),وهذا فيما بين العبد والناس.

  وبهذا الشمول فهم السلف الأخلاق في الإسلام:

  قال البيهقي (12): " معنى حسن الخلق: سلامة النفس نحو الأرفق الأحمد في الأفعال, وقد يكون ذلك في ذات الله تعالى, وقد يكون فيما بين الناس, وهو في ذات الله عز وجل, أن يكون العبد منشرح الصدر بأوامر الله تعالى ونواهيه, بفعل ما فرض عليه طيب النفس به, سلساً نحوه, راضياً به غير متضجر منه..., وهو في المعاملات بين الناس, أن يكون سمحاً في حقوقه لا يطالب غيره بها, ويوفي ما يجب لغيره عليه منها.." (13).

  وقال ابن قدامة (14): "الخلق: هو مجموع صفات المؤمنين" (15).

  وقال ابن القيم (16):"أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن البر هو حسن الخلق ففي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان (17)رضي الله عنه قال: سألت رسول الله عليه وسلم عن البر والإثم؟ فقال: البر حسن الخلق, والإثم ماحاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس (18), فقابل البر بالإثم وأخبر أن البر حسن الخلق والإثم حواز (19), الصدر وهذا يدل على أن حسن الخلق هو الدين كله, وهو حقائق الإيمان, وشرائع الإسلام, ولهذا قابله بالإثم" (20).

 


(1) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان يسمى البحر لسعة علمه ومات سنة 67هـ بالطائف وكان مولده قبل الهجرة بثلاث سنين.

    الذهبي – سير أعلام النبلاء, (4 /331), -ابن حجر- تقريب التهذيب ص 309.

(2) سورة: القلم (4).

(3)  مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي مولى السائب المخزومي من التابعين, إمام في التفسير وفي العلم مات سنة 101هـ, أو بعد بقليل.

سير أعلام النبلاء ج4/449, تقريب التهذيب ص 520.

(4)  ابن كثير, تفسير القرآن العظيم (4 /402).

(5)  أخرجه أحمد والحاكم والبخاري في الأدب المفرد, أحمد البنا – الفتح الرباني بترتيب سند الإمام أحمد بن حنبل ج9 ص75, الألباني, سلسلة الأحاديث الصحيحة (1 / 75 ) , المكتب الإسلامي, دمشق – بيروت ط 2 سنة 1399هـ.

(6)  هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي أبو عبد الرحمن من السابقين الأولين ومن كبار العلماء من الصحابة مناقبه جمة, مات سنة 32 هـ بالمدينة.

    سير أعلام النبلاء (1/461), الإصابة (2/360).

(7)  رواه الترمذي وأحمد المباركفوري, تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (7 /154), الألباني, صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/318).

(8) سورة: الأحزاب (23).

(9) سورة: محمد (21).

(10) سورة: الأنفال (27).

(11)  سورة: النساء (58).

(12)  أحمد بن الحسين بن علي, أبو بكر البهقي صاحب السنن من أئمة الحديث ولد سنة 384  وتوفي سنة 458هـ.

  سير أعلام النبلاء (18/163), شذرات الذهب (3/403).

(13)  القزويني – محتصر شعب الإيمان, تحقيق عبد القادر الأرناؤوط ص 116, دار ابن كثير, دمشق – بيروت ط2 سنة 1405هـ.

(14)  عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي من كبار الحنابلة توفي سنة 620هـ.

ابن كثير – البداية والنهاية- (13/99), شذرات الذهب 5/88.

(15)  مختصر منهاج القاصدين, تعليق شعيب وعبد القادر الأرناؤوط ص 158, مكتبة دار البيان, دمشق – بيروت 1398هـ.

(16)  محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي عالك فقيه أديب مجاهد مصلح توفي سنة 751هـ.

(17) النواس بن سمعان بن خالد الكلابي أو الأنصاري, صحابي مشهور سكن الشام.

ابن الأثير – أسد الغابة في معرفة الصحابة ص 591, دار الفكر, تقريب التهذيب ص 566.

(18)  صحيح مسلم بشرح النووي (5 /419).

(19)  قال ابن الأثير: جاء في حديث ابن مسعود "الإثم حواز القلب" هي الأمور التي تحز فيها أي تؤثر كما يؤثر الحز في الشيء, وهو ما يخطر فيها من أن تكون معاصي لفقد الطمأنينة إليها, وهي بتشديد الزاي, جمع حاز, وقيل بتشديد الواو: أي يحوزها ويتملكها ويغلب عليها.

ابن الأثير – النهاية في غريب الحديث (1/377), تحقيق طاهر الزاوي ومحمود الطناجي, دار الفكر 1399هـ.

(20)  مدارج السالكين (2 /306) مختصراً, دار الكتاب العربي, بيروت ط 2 سنة 1393ـ.

 

 



بحث عن بحث