التمهيد

 

جهود علماء المسلمين في مجال القيم الخلقية.

لقد كان لعلماء الشريعة من مفسرين ومحدثين وفقهاء جهود طيبة في مجال القيم الخلقية لتعلق دراستهم وبحوثهم –ولا سيما المفسرين- بالكتاب والسنة الذين اشتملا على الكثير من الأوامر والتوجيهات الخلقية.

وليس المقصود من هذه الفقرة تتبع تلك الجهود ورصدها وإنما التنبيه إلى عناية السلف بهذا الجانب المهم وسبقهم إلى معالجة كثير من مباحثه وقضاياه.

ولا أدل على اهتمامهم بالآداب والأخلاق من إفرادهم مؤلفات مشتملة على آداب خاصة للمشتغل ببعض العلوم أو المتقلد لبعض الأعمال والوظائف؛كآداب حملة القرآن وآداب المحدث، وآداب الفقيه والمتفقه، وآداب القاضي والمفتي والكاتب والوزير وهكذا (1).

جهود المفسرين:

تناول المفسرون الآيات القرآنية المشتملة على توجيهات خلقية –وهي كثيرة جداً- بالتفسير والتحليل وضرب الأمثلة والشواهد وسياق الأحاديث والآثار المتعلقة بالمعنى ترغيباً في الالتزام, وحفزاً على العمل.

مثال ذلك ما ذكره ابن كثير (2) رحمه الله في قول الله تعالى:

( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (3) , فقد ساق بعد أن أجمل القول في معنى الآية بضعة عشر حديثاً في التوجيه إلى هذه الأخلاق الكريمة الرفيعة, وفضل العمل بها, منها:

- قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس الشديد بالصرعة ، ولكن الشديد الذي يغلب نفسه عند الغضب) (4)


  

- وقوله عليه الصلاة والسلام للذي قال: أوصني قال:(لا تغضب) (5), وقوله عليه الصلاة والسلام: (ثلاث أقسم عليهن ما نقص مال عبد من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا, ومن تواضع لله رفعه الله) (6), إلى آخر ما ذكره رحمه الله (7).

كما كان لبعضهم – ولا سيما من عني بالأحكام الشرعية كالإمام القرطبي (8) رحمه الله – جهداً في بيان حدود العلم بالقيمة الخلقية وضوابطها ونحو ذلك (9).

على أن دراساتهم ومعالجاتهم للقضايا الخلقية لم تأت على ترتيب وتنسيق وإنما تبعاً لسياق الآيات ومواضع ورودها.

 

 


(1)  انظر: حاجي خليفة – كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ج1 ص38  - 48, دار الفكر, طبع سنة 1402هـ.

وإنما قدمت بهذه الـملحوظة لأن بعض من ألف في آداب بعض العلوم هو من المشتهرين بغيرها كالإمام النووي رحمه الله صاحب كتاب آداب حملة القرآن, فهو معدود من المحدثين.

(2)  هو: إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي حافظ مؤرخ فقيه, توفي بدمشق سنة 774هـ, الزركلي – الأعلام 1/320, دار العلم للملايين – بيروت ط7 سنة 1986م.

(3)  سورة: آل عمران, الآيتين 133-134.

(4)  متفق عليه, انظر: ابن حجر –فتح الباري (10 /518), دار المعرفـة- بيروت النووي, شرح صحيح مسلم ج5 ص468, دار الشعب- القاهرة.

(5)  أخرجه البخاري – ابن حجر – المرجع السابق (10 / 519).

(6)  أخرجه الترمذي وغيره بنحوه, المباركفوري – تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ج6 ص616, المكتبة السلفية – المدينة المنورة ط2 سنة 1385هـ.

الألباني –صحيح الجامع الصغير وزيادته (3 /61), المكتب الإسلامي- بيروت ط3 سنة 1402هـ.

(7)  ابن كثير – تفسير القرآن العظيم ج1 ص 404- 406, دار أحياء التراث العربي بيروت سنة 1388هـ, وانظر أمثلة أخرى في: الطبري – جامع البيان في تفسير القرآن (5 / 206-209), (6 / 31 – 32), دار المعرفة – بيروت سنة 1406هـ, القرطبي – الجامع لأحكام القرآن (2/174), (4/250 – 253), دار أحياء التراث العربي, بيروت سنة 1965م.

(8)  هو:محمد بن أحمد الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي المالكي من كبار المفسرين والفقهاء, مات سنة 671هـ, عبد الحي بن العماد الحنبلي–شذرات الذهب في أخبار من ذهب 4/10, المكتبة التجارية– بيروت, الأعلام5/322.

(9)  انظر على سبيل المثال: القرطبي – الجامع لأحكام القرآن (18 / 27- 28).

 

 



بحث عن بحث