آثار قيم الإسلام الخلقية في علاقة السلم والحرب (4- 4)

 

الخاتمـــــــــــــــــــــة

بعد تناول قيم الإسلام الخلقية وفق الخطة المعتمدة يمكن الخروج بجملة من النتائج أهمها:

- إن المصدر الحقيقي الذي تستمد منه القيم الخلقية في الإسلام هو الوحي, أما عداه فلا يعدو كونه ضابطاً على القيمة الخلقية المقررة أو محددا للمقدار الواجب منها , أو دافعاً إلى الالتزام بها كما هو الحال في الفطرة والضمير.

وليس قوة تأثير بعضها وأهميته مبرراً للاستناد إليه واعتماده مصدراً للقيم الخلقية, لما يعتريها من تغير وتبدل ولما تشتمل عليه من ضعف وقصور عن القيام بهذه المهمة.

- الدقة والكمال في البناء الخلقي في الإسلام, حيث أوجبت الشريعة ما لابد منه لاستقامة حال الفرد وصلاح أمور المجتمع, وندبت إلى ما عدا ذلك مما يزيد من كمال الفرد وسعادة المجتمع, ولا يترتب على الإخلال بها من آحاد الناس فساد أو خلل, وفي هذا استجلاب لما في التزام القيم الخلقية من مصالح ومنافع مع رفع الحرج عن الناس بعدم إلزامهم بما قد يشق عليهم أو يوقع طائفة منهم في عسر وحرج .

- إن القيم الخلقية ميدان رحب ومجال واسع للتنافس والمسابقة , فعلى قدر اجتهاد المرء ونشاطه فيها يحصل على الدرجات العالية والمنازل الرفيعة .

ولقد أدرك السلف هذه الحقيقة فا اجتهدوا في البذل وتسابقوا في الإنفاق كما تنوعت مجالات بذلهم ومواطن عطائهم مراعين قدراتهم وظروفهم وأوقاتهم فحفظ لنا التأريخ رصيداً ضخما من الصور الفذة والمآثر العظيمة الدالة على كمال عنايتهم واهتمامهم بهذا الجانب من جوانب الشريعة .

- وجوب العناية بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم والحرص على الوقوف على تفاصيلها, لأنها تمثل الكمال الإنساني في جميع الجوانب بما في ذلك جانب الأخلاق والمعاملة. كما ينبغي الاهتمام بإبراز آثار السلف ومآثرهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم, لنبرز للنشء القدوة الصالحة, ولا سيما في هذا العصر الذي قل فيه أهل التأثير بأعمالهم وجهادهم وبذلهم قبل أقوالهم.

- إن الأخذ بالقيم الخلقية له آثار خيرة, كما أن الإخلال بها نتائج سيئة وعواقب وخيمة:

*  فهي سبب في استقرار الأسرة وانتظام أمورها , وقيام كل فرد فيها بواجبه مطمئن النفس هادئ البال, كما أن الإخلال بها سبب لشقاء الأسرة ونكد عيشها , بل قد يصل الأمر إلى انحلال عقدها وقطع أواصرها عندما يختل الجانب الخلقي في أحد الطرفين خلالاً ظاهراً.

*  كما أنها سبب في استقرار الحياة الاجتماعية في تبادل الناس وتعاملهم وحصول الألفة بين المتعاملين, وتحصيل البركة فيما يتعاملان به. وفي المقابل فإن المخل به معرض إلى محق بركة بيعه وشرائه , وحصول العداوة والبغضاء بينه وبين المتعاملين معه .

*  وفي الأخذ بها في العلاقات الدولية سبب لحصول الأمن وتحقيق التعايش بين الدول, كما أن الإخلال بها من عوامل اشعال الحروب وإيقاد نيرانها وبث شرورها .

- وجوب الأخذ ب القيم الخلقية في الحياة السياسية حتى يتحقق التلاحم والترابط بين الحكام وشعوبهم, وحتى تسلم المجتمعات المسلمة من كافة صور الاستبداد والظلم والخيانة.

- إن الإلزام ركن من أركان القيم الخلقية لابد من الأخذ به حتى يستقيم الناس على الفضائل, ويجتنبوا الرذائل , ذلك أنه قد تضعف بعض النفوس عن سلوك الطريق الصحيح, لاستيلاء الغفلة أو لفرط الشهوة , فيأتي دور ولي الأمر أو من يقوم مقامه ليأخذ على يد المخل ويلزمه الطريق , حفظا لحرمات الناس وحماية لحقوقهم.

- القيم الخلقية زاد السائر في طريق الاستقامة , وعدة الداعي إلى الله وهي سلاح المجاهد والقائم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وبعد فإن للقدوة القدح المعلي, والأثر الذي لا يستهان به في الحفز على الأخذ بالفضائل الخلقية, ولذا كان إلزاما على المربين والدعاة والموجهين العناية بذلك والتواصي به.

كما أن على القائمين على شؤون التعليم والمهتمين بالمقررات إبراز الأمثلة الفريدة التي سجلها سلفنا الصالح , لتكون معالم نيّرة تحدوا إلى سلوك طريق الحق والفضيلة .

- وأيضا فإن على الآباء العناية بالجانب الخلقي في أبنائهم حتى يزفوا إلى مجتمعاتهم الشاب القوي الأمين المهيأ لحمل أعباء الدعوة والقادر على التأثير فيها , ويقدموا الزوج صاحب الخلق والزوجة الودود فيساهموا في تحقيق حياة أسرية هادئة مثمرة .

وأخيرا فإن على المربين العناية التامة بهذا الجانب بالحث عليه والترغيب فيه , حتى يعدوا للأمة جيلاً متحفزا للبذل راغباً في العطاء متى تيسرت أسبابه وفتحت أبوابه .

كما أن عليهم مراعاة قدرات من تحت أيديهم وطاقاتهم وتوجيه كل واحد منهم لما يناسبه ويصلح له حتى يعطوا أحسن النتائج وأكملها , متلمسين حاجات الأمة في هذا العصر معتنين بالتوجيه إلى ما يفي بحاجاتها ويحل مشكلاتها .

هذا وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد, وصلاح القول والعمل مع الإخلاص في ذلك والحمد لله رب العالمين.

 

 



بحث عن بحث