آثار قيم الإسلام الخلقية في النظم (5-6)

 

 

3– ومن القيم التي أرشد إليها الإسلام في محيط الأسرة حفظ حرمات المنزل وكتمان أسرار الأسرة , فقد أثنى الله تعالى على المؤمنات بذلك فقال:( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّه)[ النساء : 34]. قال السدي(1)وغيره: أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله(2)

    وإذا كان كتمان السر وحفظ الغيبة واجب بين كل متعاشرين فإنه بين الزوجين آكد وواجب , لما يكون بينهما من " اطلاع كل منهما على ما جرت العادة بستره , حتى إن كل واحد منهما لا يخفى عنه من عيوب الآخر شيء في الغالب(3) " . ولذا قال عليه الصلاة والسلام محذراً من الحديث عما يكون بين الزوجين من معاشرة خاصة : ( إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها) (4) .

    والمرء مجبول على النقص والقصور من جهة , ومأمور بالستر والتجمل من جهة ثانية, وأكثر الناس معرفة بعيوب المرء أكثرهم له صحبة , وأدومهم له عشرة وهو زوجه, فلا بد من مراعاة هذه القيمة في الحياة الزوجية حتى يعيش كل واحد من الزوجين بين الناس محفوظ السر مستور العورة .

4 -  ومن محاسن الزواج وآثاره الخيرة أنه منشيء لعلاقات جديدة تتسع بها دائرة الصلة والرحمة والبر والإحسان لتشمل الأقارب والأرحام, وهي خطوة أوسع في سبيل تحقيق التآلف والتواد والتكافل بين أفراد المجتمع .

    فقد أمر الله تعالى بالإحسان لذوي القربى فقال: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى) [ النساء: 36]. وقال: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ )[الإسراء:26]. وجعل لهم حقوقا مفروضة في الميراث حسب درجات قرابتهم فقال تعالى: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)[الأنفال: 78] .

    ولعظم حقوقهم فإن صلتهم والصدقة عليهم مقدمة على صلة غيرهم والنفقة على سواهم كما قال عليه الصلاة والسلام : ( الصدقة على المسكين صدقة , وهي على ذي الرحم اثنتان : صدقة وصلة)(5) .

    وليس المقصود بالصلة الصلة بالمال فحسب فبالتالي تسقط إذا استغنى القريب عن قريبه , بل إن مفهوم الصلة أوسع من ذلك وأشمل , فهو يكون بالمال والزيارة والتهنئة عند حصول نعمة , والتعزية عند نزول المصيبة إلى غير ذلك من الصور والمعاني التي تثبت بها المودة ويتحقق منها التآلف والتناصح والتعاون على البر والتقوى .

    وقد سبق ذكر شيء من النصوص الدالة على وجوب صل القريب, وإنما المقصود هنا الإشارة إلى أن الأسرة سبب في نشأة هذه الصلات والأواصر, وما تستلزمه من صلة وبر وإحسان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدّي , الإمام المفسر , أبو مجد الكوفي , مات سنة 127 ه , سير أعلام النبلاء( 5/264 ) تقريب التهذيب 107 .

(2) - ابن كثير – تفسير القرآن العظيم (1 /491 )0

(3) - ابن حجر – فتح الباري (9 /341)0

(4) - رواه مسلم , في النكاح، باب تحريم إفشاء سر المرأة، رقم (1437).

(5) - رواه أحمد والترمذي , المبارك فوري – تحفة الأحوذي (3 / 324 ) الألباني – صحيح الجامع الصغير وزيادته 263. 

 



بحث عن بحث