آثار قيم الإسلام الخلقية في حياة الصحابة رضي الله عنهم (11-11).

 

 

وبعد:

فعلى مابلغه الصحابة رضي الله عنهم من قوة في الدين , وكمال في الخلق , واستقامة في السيرة , فهم بشر قد يقع بينهم شيء من الجفاء والمخاصمة .

ولكون وقوع المخاصمة من لوازم الفطرة, ومما لا يسلم منه أكثر الناس. لم يأت الإسلام بتحريمها والنهي عنها وإنما نهى عن الفجور فيها و" الفجور الميل عن الحق والإحتيال في رده(1) يدل على هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام : " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا, ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان, وإذا حدث كذب , وإذا عاهد غذر , وإذا خاصم فجر (2)".

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم من أبعد الناس عن الزيادة في المخاصمة , بل يتسامحون فيا بينهم , ويقيل بعضم عثرات بعض, ويسارعون إلى التغافر والتسامح .. كما كانوا من أعظم الناس معرفة بالحقوق، وآداب الاختلاف والتنازع .

فمما وقع بينهــم :

- عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنت جالسا عند النبي صل الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما صاحبكم فقد غامر , فسلم وقال: يا رسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء, فأسرعت إليه ثم ندمت, فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ, فأقبلت إليك . فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر – ثلاثاً- . ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل أثمّ أبو بكر ؟ فقالوا : لا , فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه , فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعّر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه , فقال : يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم مرتين, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت, وقال أبو بكر صدقت, وواساني بنفسه وماله , فهل أنتم تاركوا لي صاحبي ؟ مرتين , فما أوذي بعدها(3) .

فهذا الحديث يرسم المنهج الصحيح لحل المشكلات , والقضاء على العوارض المذهبة للمودة والجالبة للعداوة , وقطع تبعاتها , بحسن الاعتذار عن الخطأ والتجاوز وهذا ما فعله الصديق رضي الله عنه. وفي المقابل العفو عن الزلل وقبول العذر, إلا أن عمر رضي الله عنه تأخر في ذلك ثم إنه ندم على تأخره, ولكن الأمر كان قد رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرشد عمر و الأمة من بعده إلى أمر في غاية الأهمية في البناء الخلقي وهو وجوب احترام أهل الفضل والسابقة ونحوهم – وعلى رأسهم الصديق رضي الله عنه – وتحمل ما قد يصدر منهم من هفوة أو زلل .

- ومن ذلك أنه كان بين خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص كلام , فتناول رجل خالدا عند سعد , فقال سعد : إن الذي بيننا لم يبلغ ديننا(4).

وهكذا قطع سعد رضي الله عنه على هذا المتربص الطريق فما بينه وبين خالد خلاف يسير , لا تستحل به حرمة , ولا تهضم له الحقوق .

- روى مالك من طريق ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن(5)وسعيد ابن المسيب(6) أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يتنازعان في المسألة بينهما حتى يقول الناظر: إنهما لا يجتمعان أبدا , فما يفترقان إلا على أحسنه وأجمله(7).  

 

 


 

(1)- ابن حجر – فتح الباري (1 /90 ).

(2)- متفق عليه – ابن حجر المرجع السابق 89 . النوي شرح صحيح مسلم (1 /246 )0

(3)- رواه البخاري – ابن حجر – فتح الباري (7 /18)0

(4) - البغوي – شرح السنة (13 /108)0

(5) هو عبد الله وقيل إسماعيل بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري الحافظ أحد الأعلام بالمدينة , مات سنة 94 ه وقيل غيرها . سير أعلام النبلاء(4/287 )0 تقريب التهذيب 645 .

(6) سعيد بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي , أحد العلماء الإثبات والفقهاء الكبار , سيد التابعين في زمانه , مات بعد سنة 90 ه . سير أعلام النبلاء(4/217 )0 تقريب التهذيب 241 .

(7) السيوطي – تاريخ الخلفاء ص134, دار الفكر 1394 ه .

 



بحث عن بحث