مواطن الجرح في الرواة(1-2)

 

مواطن الجرح في الرواة تكون إما من جهة عدالته أو من جهة ضبطه:

الجرح من جهة عدالة الراوي:

وأسباب الجرح في عدالة الراوي كثيرة، منها:

1- الكفر: فلا يقبل حديث الكافر، بل يجب أن يكون وقت روايته للحديث مسلمًا.

والإسلام ومثله البلوغ هما شرطان للأداء وليسا شرطين للتحمل، فقد تحمّل بعض الصحابة قبل إسلامهم ثم أدّوا بعده، وتحمّل صغار الصحابة حال صغرهم وأدّوا بعد بلوغهم(1)

2- الكذب: سئل الإمام أحمد بن حنبل عن من تعمد كذب في حديث واحد ثم تاب ورجع، قال: توبته فيما بينه وبين الله، ولا يُكتبُ عنه حديث أبدًا.

· قال عبد الله بن المبارك: من عقوبة الكذاب أن يرد عليه صدقه.

· قال سفيان الثوري: «من كذب في الحديث افتضح» قال أبو نعيم وأنا أقول: «من هَمَّ أن يكذب افتضح».

· قال رافع بن أشرس: «إن من عقوبة الكذاب أن لا يقبل صدقه» قال: وأنا أقول: «ومن عقوبة الفاسق المبتدع أن لا تذكر محاسنه»(2)

3 ،4- الجنون والصغر: لأنهما لا مسؤولية عليهما، وغير مكلفين.

أما بالنسبة للصبي فإن العلماء يفرّقون بين حال التحمّل والأداء كما تقدم ــ في الكفر- فيرخصون في التحمّل إذا كان صغيرًا قبل التكليف ولكنه لا يؤدي الحديث إلا بعد البلوغ(3)

5- الفسوق: لا يقبل خبر مرتكب المعاصي والخارج عن طاعة الله تعالى.

6- السفه: ضد الحلم وهو أصل يدل على الخفّة والسخافة(4)، ومن هذا حاله لا تصلح الرواية عنه.

قال شعبة: لم يكن شيء أحب إلي من أن أرى رجلًا يقدم من مكة فأسأله عن أبي الزبير، حتى قدمت مكة فسمعت منه، فبينا أنا عنده إذ جاء رجل فسأله عن شيء، فافترى عليه، فقلت: تفتري على رجل مسلم؟ قال: إنه غاظني، قال قلت: يغيظك فتفتري عليه؟! فآليت أن لا أحدث عنه، وكان يقول: في صدري عنه أربعمائة.. لا والله لا حدثتكم عنه بشيء أبدًا.

· قال يحيى القطان: سمعت النضر بن مطرف يقول: إن لم أحدثكم فأمي زانية. فتركت حديثه لهذا.

· قيل لزيد بن أسلم: عمن يا أبا أسامة؟ قال: ما كنا نجالس السفهاء، ولا نحمل عنهم(5)

7- الجهالة: يختلف المجاهيل في قوة الجهالة وضعفها، وعلى ضوء هذا الاختلاف قسم العلماء المجهول إلى قسمين:

الأول: مجهول العين: والمراد به هنا من لم يعرف عينه أو هو من روايته قليلة، وإذا ذكر اسمه عرف، ولكنه مقل ولم يرو عنه إلا واحد وتسميته مجهول العين مجرد اصطلاح وإلا فعينه معروفة وأكثر المحدثين على عدم قبول روايته مطلقًا(6)، وبعضهم فصّل بأن كان الراوي عنه لا يروي إلا عن عدل مثل ابن مهدي والقطان ومالك وإلا فلا ورجح ابن حجر(7) أنه إذا زكّاه أحد الأئمة مع رواية واحد عنه قبل وإلا فلا.

الثاني: مجهول الحال وهو على قسمين:

أ – مجهول العدالة ظاهرًا وباطنًا وفي قبول روايته خلاف وذهب الجمهور إلى عدم قبول روايته(8).

ب- مجهول العدالة باطنًا لا ظاهرًا وهو المستور والراجح قبول روايته(9) لأن الأصل أن نأخذ بالظاهر حتى يتبين خلاف ذلك.

· قال النووي: الأصح قبول روايته(10).

·  قال الخطيب البغدادي في تعريفه: «المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرفه العلماء به، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد»(11)

ومما لا خلاف فيه في المجهول أنه إذا روى عنه اثنان ارتفعت الجهالة، ويبقى التوثيق من عدمه(12)

8- خوارم المروءة:

والمروءة: هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها على التحلي بمحاسن الأخلاق وجميل العادات ويرجع في معرفتها إلى العرف، فيختلف باختلاف الأشخاص والبلدان، فكم من بلد جرت عادة أهله بمباشرة أمور لو باشرها غيرهم لعدّ خرقًا للمروءة(13).

 


(1) مقدمة ابن الصلاح، ص(218).

(2) الكفاية في معرفة أصول علم الرواية (54).

(3) مقدمة ابن الصلاح، ص(218).

(4) معجم مقاييس اللغة (3/79).

(5) شرح النخبة، ص(96).

(6)  نقله السخاوي في فتح المغيث (1/270) عن الزنجاني في شرح الوسيط.

(7) شرح النخبة، ص(100)، وينظر شرح الألفية للناظم (1/324)، وقواعد في علوم الحديث، ص(206).

(8) فتح المغيث للسخاوي (1/298).

(9) الثقات لابن حبان (1/13).

(10) المجموع شرح المهذب (6/277).

(11) الكفاية للخطيب البغدادي، ص(42).

(12) ينظر: ما سبق من المراجع.

(13) نقله السخاوي في فتح المغيث (1/270) عن الزنجاني في شرح الوسيط.

 



بحث عن بحث