التوكل ( 2 - 2 )

 

 

 تحدثنا في الحلقة السابقة عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفي هذه الحلقة نكمل بقية الكلام عليه:

الوقفة الثالثة :  إن من تمام عقيد المسلم تجاه التوكل أن يعلم أن التوكل لا يعني ترك الأسباب المشروعة ، المأمور بها ، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودخل إلى المسجد ليصلي ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أعقل دابتي أو أتوكل على الله ؟ فأجابه عليه الصلاة والسلام : ( اعقلها وتوكل ) ، وكما جاء في فتح المجيد قوله : قال العارفون : التوكل بدون القيام بالأسباب المأمور بها عجز محض وإن كان مشوباً بنوع من التوكل ، فلا ينبغي للعبد أن يجعل توكله عجزاً ، ولا عجزه توكلاً ، بل يجعل توكله من جملة الأسباب التي لا يتم المقصود إلا بها كلها كما ذكر ذلك ابن القيم وغيره .

وهذا معروف في الحياة فلا نسل بدون زواج ، ولا ثمرة بدون زرع ، ولا رزق بدون عمل ، فالمسلم مطالب بأن يحقق التوكل على الله ويبذل الأسباب ولكن لا يتكل عليها . فالنتائج بيد الله سبحانه.

*  *  *

الوقفة الرابعة :  في الحياة تقلبات ، أحوال وأحداث ، وأفراح وأتراح ، وشدة وضيق ، ولذا تحصل هفوات في تعامل المسلمين مع توكلهم على الله : فتجد بعضاً من المسلمين يجري على ألسنتهم الخوف من المستقبل ، والتشاؤم فيه ، وكأن الأمور بيد البشر ، وكذا تعلق بعض المسلمين بالسحرة والكهان والمشعوذين ، وطلب شفاء أمراضهم منهم ، وتصديق أخبارهم وإرجافاتهم وخزعبلاتهم ، وكذا الشعور الدائم بالقلق من أمور الدنيا وعدم الثقة بالله وبموعوده ، وكذا الطمع والجشع المؤديان إلى الشح والبخل والخوف على الرزق وعدم صرفه بمصارفه الشرعية ، والتعلق بالطبيب المعالج واعتقاد أن الشفاء عنده أو بأدويته ، أو التداوي بالأدوية المحرمة ، أو الخوف على رزق الأولاد ومستقبلهم ، أو النفاق والمجاملة المذمومة مع الآخرين لطلب ما عندهم دون الله سبحانه ، فضلاً عن طلب شفاعتهم فيما لا يقدر عليه إلا الله ، وكذا طلب الرزق من الطرق غير المشروعة ، والتفكير السلبي المتشائم من المستقبل ، وكذا الاستجابة لوساوس وأوهام الشياطين؛ كل هذه المظاهر وغيرها مردها ضعف التوكل على الله ، وقلة اليقين بالله سبحانه ، وعدم إحسان الظن به .    

 

*  *  *

 



بحث عن بحث