الإيمان باليوم الآخر

 

وركن آخر من أركان الإيمان, ركن عظيم, جاءت الشرائع كلها بتقريره, والتأكيد عليه, وما فيه من أحوال وأهوال, وكتاب الله تعالى مليء بالآيات القرآنية الدالة عليه, والمرشدة إليه, والمقررة له, والموضحة لما سيجري فيه. ذلكم هو اليوم الآخر, ابتداء بمقدماته من وداع الإنسان في هذه الدنيا بالموت وإلى أن يستقر بالجنة أو النار.

واليوم الآخر هو يوم القيامة الذي يبعث الناس فيه للجزاء والحساب, وله تسميات عدة جاءت في القرآن الكريم منها يوم القيامة ويوم التغابن.

والإيمان بهذا اليوم يشمل أموراً عدة منها:

1- الإيمان بالبعث, وهو إحياء الموتى وبعثهم من قبورهم, عندما يقوم الناس لرب العالمين عراة غير مستترين غير مختتنين, حفاة غير منتعلين كما خلقهم الله تعالى من بطون أمهاتهم والآيات في تقرير هذا المبدأ أكثر من أن تحضر, قال تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ).

2- وما يشمله الإيمان بهذا اليوم الإيمان بالجزاء والحساب فيحاسب الناس فيه على أعمالهم وأقوالهم وتصرفاتهم التي عملوها في هذه الحياة ويجاز عليها بالعدل والقسط قال الله تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين).

3- ومما يشمله الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بالجنة والنار, وأنها المستقر الأبدي للخلق, فالجنة دار النعيم التي أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين المتقين الذين صدقوا برسله وعملوا بما جاءوا به من عند ربهم, وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر, والنار دار العذاب التي أعدها الله تعالى للمكذبين برسله قال تعالى: (إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون ولياً ولا نصيراً * يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا).

ومما يشمله الإيمان باليوم الآخر, كل ما يحصل بعد الموت من فتنة القبر وسؤال الميت عن ربه ونبيه ودينه, وكذا نعيم القبر وعذابه فالمؤمن يبشر بما أعده الله له في هذا القبر الذي يفسح له في مد البصر ويأمن فيه من الخوف والحزن, قال تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون), وقال عن الكفار: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ).

وفي أحوال هذا اليوم تكون أهوال عظيمة, وأحداث جسيمة صور ذلك ربنا سبحانه وتعالى بقوله: (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد), ولكن المؤمنين يأمنون من هذا الهول العظيم, ويظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

إن المؤمن يجب أن يؤمن بهذا اليوم ليقوده إيمانه هذا إلى الإكثار من فعل الطاعات, والبعد عن المعاصي والسيئات والرهبة منها, وحتى يحصل له السلوى مما يفقده من ملاذ هذه الحياة بما أعده الله لعباده التوفيق فيها.

إن تصور هذا اليوم يجعل المسلم ينطلق في هذه الحياة ليؤدي أعماله فيها على نهج قويم وطريق مستقيم, يرجوا نعيم ذلك اليوم, ويخشى عقابه.

إن المنكر لهذا اليوم, وما فيه من أحداث وأحوال, قد اقتدى بالمشركين الذين قالوا: أئذا متنا و كنا ترابا ذلك رجع بعيد, وحينئذ يصير منهم وهؤلاء وأولئك نسوا أن الذي خلقهم من العدم أقدر على عودهم بعد موتهم: (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم),

وإن المتساهلين في النظر إلى ذلك اليوم وما أعده الله فيه, بأقوالهم وأعمالهم, فتراهم يتخلفون عن أوامر الله دون خوف أو وجل, ويقترفون معاصي الله بلا مبالاة أو اهتمام بل ويجاهرون بذلك, أو لم يبالوا بحلال أو حرام فهؤلاء وأمثالهم عرضوا أنفسهم لخطر عظيم وعاقبة وخيمة, فلنلجأ إلى الله تعالى ونؤوب إليه, ونستغفره إنه كان غفارا, أسأل الله أن يصلح نياتنا وأقوالنا وأعمالنا إنه سميع مجيب. 



بحث عن بحث