المبحث الخامس (علاقة الناصية بسلوك الإنسان ( 3 - 4 ))

 

6 – وأما حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أفاد أحدكم امرأة، أو خادماً، أو دابة، فليأخذ بناصيتها، وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه».

فأخرجه أبو داود(1)، وابن ماجة – واللفظ له –(2) والنسائي(3)، والطبراني(4)، وابن السني(5)، والحاكم(6)، والبيهقي(7)، وابن عبدالبر(8)، كلهم من طرق عن محمد بن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.

وعند أبي داود والنسائي وغيرهما ممن ذكر (البعير)، أنه يؤخذ بذروة سنامه ثم يُقال مثل ما يقال على الزوجة والخادم.

وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

وفي رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، خلاف مشهور، وهي في درجة الحسن، على أقل تقدير، والله أعلم.

وخالف في إسناده حِبَّان بن علي؛ فرواه عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة بذكر الخادم فقط دون الزوجة والدابة.

  أخرجه ابن أبي عاصم(9)، وأبو يعلى(10)، والطبراني(11)، وأبو نعيم(12)،وابن عساكر(13)، كلهم من طريق حِبَّان، به، وهو – أي حِبَّان بن علي – (ضعيف) (14)، وخالف الثقات في إسناده، فروايته هنا منكرة.

7 – وأما حديث عمر فأخرجه ابن عدي(15)، عن عبدالواحد بن غياث، عن عنبسة بن عبدالرحمن القرشي، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عنه، نحو حديث عمرو بن شعيب.

وفيه عنبسة بن عبدالرحمن، قال فيه الحافظ: (متروك، رماه أبو حاتم بالوضع)(16).

وقد رواه مالك(17)؛ عن زيد بن أسلم – مرسلاً – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تزوج أحدكم المرأة، أو اشترى الجارية؛ فليأخذ بناصيتها، وليدع بالبركة، وإذا اشترى البعير فليأخذ بذروة سنامه، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم».

قال ابن عبدالبر: "وهذا أيضاً مرسل عند جميع الرواة للموطأ، والله أعلم"(18).

8 – وأما حديث أبي هريرة الآخر فلفظه: «الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام؛ فإنما ناصيته بيد شيطان».

أخرجه مالك(19)، وعبدالرازق(20)، والحميدي(21)، وابن أبي شيبة(22)، والبزار(23)، والعقيلي(24)، والطبراني(25)، كلهم من طرق عديدة، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن مليح بن عبدالله السعدي، عنه.

واختلفوا فبعضهم رفعه، وأكثرهم وقفه، واختلف على بعضهم في وقفه ورفعه.

قال الحميدي: "كان سفيان ربما رفعه وربما وقفه".

ورواه العقيلي مرفوعاً، ثم رواه من طريق مالك موقوفاً، وقال: "وهذا أولى".

وصوب الدارقطني(26) وقفه، وهي رواية مالك وغيره، عن محمد بن عمرو ابن علقمة.

وقال الخليلي: "الأئمة وقفوه عن محمد، عن مليح، عن أبي هريرة، ورُوي عن حماد بن زيد، عن محمد، عن مليح، موقوفاً، ومرفوعاً، والوقف أصح"(27).

وقال أيضاً: "ينفرد به محمد، عن مليح".

ومليح بن عبدالله السعدي(28) ذكره البخاري(29)، وابن أبي حاتم(30)، ولم يذكرا فيه جرحاً، ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في ثقاته(31)، وقالوا: "روى عن أبي هريرة، وروى عنه محمد بن عمرو بن علقمة". وهو كلام ابن سعد في الطبقات(32)، ولم يذكروا له راوياً غير محمد بن عمرو؛ فهو مجهول العين.

ولم يذكره السيوطي في إسعاف المبطأ!.

9 – وأما حديث بُرَيْدَة بن الحُصَيْب الأسلمي، فلفظه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أعلمك كلمات من أراد الله به خيراً علمه إياهن، ثم لم ينسه إياهن أبداً» قال: «اللهم إني ضعيف فوقَّ في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضائي، اللهم إني ضعيف فقوني، وذليل فأعزني، وفقير فارزقني».

أخرجه ابن أبي شيبة(33)، والطبراني(34)، كلاهما من طريق العلاء بن المسيب عن أبي داود الأودي، عنه.

قال الطبراني: "لا يروى عن بريدة؛ إلا بهذا الإسناد، تفرد به العلاء". اهـ.

وأخرجه الحاكم(35)من طريق ابن أبي شيبة، وقال: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". اهـ.

وتعقبه الذهبي فقال: "أبو داود الأعمى متروك".

ونسبه الهيثمي إلى الطبراني في الأوسط وقال: "فيه أبو داود الأعمى، وهو ضعيف"(36).

وأبو داود هذا اسمه: نفيع بن الحارث، (ويقال نافع، مشهور بكنيته، متروك، وقد كذبه ابن معين) (37).

10– وأما حديث جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله عزوجل العافية؛ فإنكم لا تدرون ما تبتلون به منهم، فإذا لقيتموهم فقولوا: اللهم أنت ربنا وربهم، ونواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تقتلهم أنت، ثم الزموا الأرض جلوساً، فإذا غشوكم فانهضوا وكبروا».

فأخرجه الطبراني(38) – واللفظ له – والحاكم(39) – في سياق طويل بقصة فتح خيبر وإعطاء علي رضي الله عنه الراية – كلاهما من طرق عن فضيل بن عبدالوهاب، عن جعفر بن سليمان، عن الخليل بن مرة، عن عمرو بن دينار، عن جابر.

قال الطبراني: "لم يروه عن عمرو، إلا الخليل، ولا عن الخليل، إلا جعفر، تفرد به فضيل بن عبدالوهاب"(0). اهـ.

وخليل بن مرة الضبعي، (ضعيف)(41)، وجعفر بن سليمان – ضبعي أيضاً – (صدوق) (42)، لكن له شواهد مرسلة، قوية، منها:

أ   – ما أخرجه عبدالرزاق(43)، وسعيد بن منصور(44)، من طريقين عن يحيى ابن أبي كثير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر نحوه.

ب – ما أخرجه عبدالرزاق(45)، والطبراني(46)، والبيهقي(47)، من طريقين عن موسى بن عقبة، عن أبي النضر أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا. فذكره. وأصله في الصحيحين دون بلاغ أبي النضر، وقال الحافظ: "وروى الإسماعيلي في هذا الحديث من وجه آخر، أنه صلى الله عليه وسلم دعا أيضاً  فقال: «اللهم أنت ربنا وربهم، ونحن عبيدك وهم عبيدك، ونواصينا ونواصيهم بيدك»(48).

جـ – ما أخرجه سعيد بن منصور، قال: نا عبدالله بن وهب، قال: حدثني أبو هانئ الخولاني، عن أبي عبدالرحمن الحُبُلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. فذكره.

وأبو هانئ الخولاني هو حميد بن هانئ (لا بأس به) (49).

فالحديث بهذه الشواهد حسن.


 


(1)  سنن أبي داود – كتاب النكاح – باب في جامع النكاح (2/616 ن 617ح2160).

(2)   سنن ابن ماجه – كتاب النكاح – باب ما يقول الرجل إذا دخلت عليه أهله (1/617، 618ح 1918).

(3)   عمل اليوم والليلة (ص246، 247، 255ح 240، 263).

(4)  الدعاء (2/1241ح 940) و (3/1411ح 1309).

(5)  عمل اليوم والليلة (ص283ح 600).

(6)  المستدرك (2/185، 186).

(7)  السنن الكبرى (7/148).

(8)  التمهيد (5/300، 301).

(9)  السنة (1/84ح191).

(10)  مسند أبي يعلى (11/490ح6610).

(11)  الدعاء (3/410، 411ح1308).

(12)  ذكر أخبار أصبهان (1/281).

(13)   تاريخ دمشق (7/445).

(14)  تقريب التهذيب ص (149).

(15)  الكامل (5/261).

(16)  تقريب التهذيب ص (433).

(17)  الموطأ (2/547ح52).

(18)   التمهيد (5/300).

(19)   الموطأ (1/92ح57).

(20)  مصنف عبدالرزاق (2/373، 374ح 3753).

(21)   مسند الحميدي (2/435ح989).

(22)  مصنف ابن أبي شيبة (2/327).

(23)  كشف الأستار (1/233ح 475).

(24)  الضعفاء (3/453).

(25)   المعجم الأوسط (مجمع البحرين (ق69/ب).

(26)   العلل للدار قطني (2/140/أ).

(27)   الإرشاد في معرفة علماء الحديث (1/343).

(28)  تحرفت نسبته عند الطبراني إلى (الخطمي)، وهو غيره؛ فالخطمي ذكره ابن أبي حاتم عقب ترجمة مليح السعدي، وقال: "يروي عن أبيه، روى عنه عمرو بن محمد الأسلمي". الجرح والتعديل (8/367).

(29)   التاريخ الكبير (8/10).

(30)   الجرح والتعديل (8/367).

(31)  الثقات (5/450).

(32)   الطبقات الكبرى (5/253).

(33)  مصنف ابن أبي شيبة (10/268، 269ح9402).

(34)  المعجم الأوسط (مجمع البحرين ق454).

(35)   المستدرك (1/527).

(36)  مجمع الزوائد (10/182).

(37)   تقريب التهذيب ص (565).

(38)   الدعاء (2/1301ح1072)، وفي المعجم الصغير (2/293ح777).

(39)   المستدرك (3/38).

(40)  المعجم الصغير (2/294).

(41)   تقريب التهذيب ص (196).

(42)  تقريب التهذيب ص (140).

(43)  مصنف عبدالرزاق (5/247، 248ح 9513).

(44)   سنن سعيد بن منصور (2/204ح2519).

(45)   مصنف عبدالرزاق (5/248، 249ح 9514).

(46)   الدعاء (2/1298، 1299ح1068).

(47)   السنن الكبرى (9/152).

(48)   الفتح (6/166).

(49)   تقريب التهذيب ص (182).



بحث عن بحث