المبحث الرابع (من أسرار تقديم اليمين (2ـ3))

 

3 – حديث «الأيمن فالأيمن»(*) «الأيمنون الأيمنون»(*).

أخرجه البخاري(1)، مسلم(2)، وأبو داود(3)، والترمذي(4)، وابن ماجة(5)، ومعمر بن راشد(6)، ومالك(7)، والطيالسي(8)، والحميدي(9)، وابن سعد(10)، وأحمد(11)، والدارمي(12)، كلهم من طرق عن الزهري، عن أنس بن مالك أنه حُلِبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة داجن(13) – وهو في دار أنس بن مالك – وَشِيْبَ(14) لبنها بماء من البئر التي في دار أنس، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم القدح، فشرب منه، حتى إذا نزع القدح عن فيه، وعن يساره أبو بكر، وعن يمينه أعرابي، فقال عمر – وخاف أن يعطيه الأعرابي –: اعط أبا بكر يا رسول الله عندك، فأعطاه الأعرابي الذي عن يمينه، ثم قال: «الأيمن فالأيمن». سياق القصة للبخاري، والباقون بنحوه، وبعضهم اختصرها، أما الشاهد منه فعندهم جميعاً مثله.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

وللحديث طريق أخرى عن أنس، باللفظ الآخر، أخرجه البخاري(15)، ومسلم(16)، وأحمد(17)، كلهم من طرق عن أبي طوالة عبدالله بن عبدالرحمن، عنه، وتمامه «.... ألا فيمنوا»، قال أنس: فهي سنة، ثلاث مرات، وعند مسلم «الأيمنون، الأيمنون، الأيمنون» وذكر كلام أنس، وعند أحمد: «الأيمنون» مرة واحدة فقط.

 

¯         ¯        ¯

4 – حديث: «لا يأكل أحدكم بشماله، ولا يشربن بها، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها»، وكان نافع يزيد فيها: «ولا يأخذ بها ولا يعطي بها»(*).

أخرجه مسلم(18)، والترمذي(19)، ومعمر بن راشد(20)، أحمد(21)، والبخاري – في الأدب المفرد(22)، واللفظ له – والنسائي – في الكبرى(23)– وأبو يعلى(24)، وابن حبان(25)، والبيهقي(26)، كلهم من طرق عن سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبيه.

وقوله "وكان نافع يزيد فيها..."، هذه الزيادة ثابتة عند مسلم وغيره، من طريق عمر بن محمد، عن القاسم بن عبيد الله بن عبدالله بن عمر، عن سالم.

ومرة يروي عمر بن محمد، عن سالم – مباشرة – ويذكر زيادة نافع، كما هو عند أحمد(27)، وابن حبان، فتبين أنه هو القائل، إلا أن الراوي عنه هو شجاع ابن الوليد السكوني (صدوق ورع، له أوهام) (28)، فالله أعلم، والمهم هو أن عبيد الله بن عمر رواه عن نافع، ولم يذكر هذه الزيادة، رواه أحمد(29)، عن محمد بن عبيد الطنافسي، عنه.

وعبيد الله بن عمر، ومحمد بن عبيد الطنافسي، ثقتان فلعل نافعاً رواه مرة بالزيادة، ومرة بدونها، والله أعلم.

وللحديث طريق أخرى عن ابن عمر، أخرجه مسلم(30)، وأبو داود(31)، والترمذي(32)، ومالك(33)، والحميدي(34)، وابن أبي شيبة(35)، وإسحاق بن راهوية(36)، وأحمد(37)، والدارمي(38)، وأبو يعلي(39)، والبيهقي(40)، والبغوي(41)، كلهم من طرق عن الزهري، عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبدالله بن عمر، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله».

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، وهكذا رواه مالك وابن عيينة، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبيد الله، عن ابن عمر، وروى معمر وعقيل، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، ورواية مالك، وابن عيينة، أصح"، وساق رواية معمر، وهي ضمن الطرق عن سالم، التي خرجتها آنفاً، ولم أفصل القول فيها خشية التطويل، خاصة وأن عبارة الترمذي لا تعني تضعيفها.

قال سفيان بن عيينة: "وسمعت معمراً يحدثه بعد، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، فقلت: يا أبا عروة، إنما هو عن أبي بكر، فقال معمر: إنا عرضناه – وربما قال سفيان –: هذا مما عرضناه"(42). اهـ.

وقال ابن حبان: "قيل لمعمر خالفت الناس، فقال: كان الزهري يسمع من جماعة، فيحدث مرة عن هذا، ومرة عن هذا"(43). اهـ.

وذهب الدار قطني إلى خلاف ما ذهب إليه الترمذي، فذهب إلى ترجيح رواية سالم، عن أبيه؛ لأنه يرى أن أبا بكر بن عبيد الله هو القاسم بن عبيد الله(44)، والقاسم لم يسمع من جده ابن عمر، فلذا رجح رواية سالم، ولكن الصواب أنهما أخوان لأب، وأبو بكر سمع من جده ابن عمر، ومات قديماً(45)، وأما القاسم فمات في حدود (230هـ)(46).

 

¯         ¯        ¯

5 – حديث أكل رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: «كل بيمينك». قال: لا أستطيع. قال: «لا استطعت ما منعه إلا الكبر»، قال الراوي: فما رفعها إلى فيه(*).

أخرجه مسلم(47)، وأحمد(48)، وعبد بن حميد(49)، والدارمي(50)، وابن حبان(51)، والطبراني(52)، وأبو نعيم(53)، والبيهقي(54)، كلهم من طرق عن عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، نحوه.

والرجل لم يسمه مسلم، وسماه الباقون: بسر بن راعي العَيْر، إلا البيهقي فعنده: (بشر) بالمعجمة، وقال: "والصحيح: بـِشْر، بخفض الباء، وبالشين المعجمة، هكذا ذكره ابن مندة وغيره من الحفاظ". وعند عبد بن حميد: (بشير) بالمعجمة، والمثناة التحتية.

قال ابن حجر: "بسر بن راعي العير الأشجعي...، وقد قيل فيه: بشر، بالمعجمة، وبذلك ذكره ابن مندة، وأنكر عليه أبو نعيم ونسبه إلى التصحيف، ولم يحك الدار قطني وابن ماكولا فيه خلافاً، أنه بالمهملة، وأما البيهقي فحكى أنه بالمعجمة أصح، وأغرب ابن فتحون فاستدركه فيمن اسمه بشير"(55). اهـ.

ولعل استدراك ابن فتحون، لأجل ما عند عبد بن حميد، إن لم يكن ما في المنتخب خطأ مطبعياً، والله أعلم.

 


 


(*)  دلائل النبوة في ضوء المعارف الحديثة، ص (122) وجعلهما المستدل حديثين، وإنما هما لفظان لحديث أنس.

(1) صحيح البخاري – كتاب الحرث والمزارعة – باب من رأى صدقة الماء وهبته، ووصيته جائزة (5/30ح 2352) وبرقم (2571) بلفظ: الأيمنون الأيمنون ألا فيمنوا....) و – كتاب الأشربة – باب شرب اللبن بالماء (10/75ح5612)، وباب الأيمن فالأيمن في الشرب (10/86ح5619).

(2)  صحيح مسلم – كتاب الأشربة – باب استحباب إدارة الماء واللبن عن يمين المبتدئ (3/1603ح2029/125).

(3)  سنن أبي داود – كتاب الأشربة – باب في الساقي متى يشرب (4/113، 114ح3726).

(4)  سنن الترمذي – كتاب الأشربة – باب ما جاء عن الأيمن أحق بالشراب (4/271ح1893).

(5)  سنن ابن ماجه – كتاب الأشربة – باب إذا شرب أعطى الأيمن فالأيمن (2/1133ح3425).

(6)  الجامع (10/425ح19582).

(7)  الموطأ (2/926ح17).

(8)  مسند الطيالسي (ص70ح2094).

(9)  مسند الحميدي (2/499ح1182).

(10) طبقات ابن سعد (7/20).

(11)  المسند (3/110، 113، 197، 231).

(12)  سنن الدارمي (2/118).

(13)  الداجن: هي الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم، النهاية (2/102).

(14) الشوب: الخلط، النهاية (2/507).

(15) صحيح البخاري – كتاب الهبة – باب من استسقى (5/201ح2571).

(16) صحيح مسلم (3/1604ح2029/126).

(17)  المسند (3/239).

(*)  دلائل النبوة في ضوء المعارف الحديثة، ص (122).

(18) صحيح مسلم – كتاب الأشربة – باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (3/1599ح2020/106).

(19)  سنن الترمذي – كتاب الأطعمة – باب ما جاء في النهي عن الأكل والشرب بالشمال (4/227ح1800).

(20)  الجامع (10/414ح19541).

(21) المسند (2/128، 134، 146).

(22) الأدب المفرد (2/598ح1189).

(23) السنن الكبرى – الوليمة – كما في تحفة الأشراف (5/363ح1792).

(24) مسند أبي يعلى (9/418، 419ح5568).

(25) الإحسان (7/329ح5206).

(26) السنن الكبرى (7/277).

(27) المسند (2/128).

(28) تقريب التهذيب، ص (264).

(29) المسند (2/80).

(30) صحيح مسلم (3/1598).

(31) سنن أبي داود – كتاب الأطعمة – باب الأكل باليمين (4/144ح3776).

(32) سنن الترمذي (4/226ح1799).

(33) الموطأ (2/922، 923ح6).

(34) مسند الحميدي (2/283ح635).

(35) مصنف ابن أبي شيبة (8/103، 104ح4490).

(36) مسند إسحاق بن راهوية (1/420ح477) – لكن سقط اسم أبي بكر من المطبوع.

(37) المسند (2/8، 33، 106).

(38) سنن الدارمي (2/97).

(39) مسند أبي يعلى (9/433ح 5584) و (10/68ح 5704، 5705).

(40) السنن الكبرى (2/277).

(41) شرح السنة (11/284ح2836).

(42) مسند الحميدي (2/284).

(43) الإحسان (7/328)، وعند البيهقي في الكبرى (7/277) نحوه، وقال: هذا محتمل؛ فقد رواه عمر بن محمد، عن القاسم بن عبيد الله بن عبدالله بن عمر، عن سالم، عن أبيه. اهـ.

(44) العلل للدار قطني (3/ق83/أ)، ولكنه في موضع آخر، شك فقال: (وقيل إن أبا بكر بن عبيد الله، اسمه: القاسم) العلل – المطبوع (2/47).

(45) انظر: طبقات ابن سعد – القسم المتمم (ص219، 220)، وطبقات خليفة ابن خياط (ص262)، وتسمية من روى عنه من أولاد العشرة رقم (49، 50)، والإخوة والأخوات رقم (561، 562)، وتسمية الإخوة رقم (165، 166).

(46) تقريب التهذيب (ص451)، وذكر هذا التاريخ في ترجمة أبي بكر بن عبيد الله بن عمر، ولعلها سبقة قلم، وانظر: تعليق الدكتور/ أكرم العمري على طبقات خليفة.

(*) دلائل النبوة في ضوء المعارف الحديثة، (ص122).

(47) صحيح مسلم (3/1599ح2021).

(48) المسند (4/45، 46، 50).

(49) المنتخب من مسند عبد بن حميد (1/352ح388).

(50) سنن الدارمي (2/97).

(51) الإحسان (8/152ح6478، 6479).

(52) المعجم الكبير (7/15ح 6235، 6236).

(53) معرفة الصحابة (3/132ح 1206).

(54) دلائل النبوة (6/238) و – السنن الكبرى – (7/277).

(55) الإصابة (1/153).

(*) دلائل النبوة في ضوء المعارف الحديثة، ص (122)، وقال: "رواه ابن ماجه عن أبي هريرة، وسنده صحيح"، وليس الأمر كما قال في صحة السند.



بحث عن بحث