الحلقة (43) المبحث الثالث (تداعي الجسد)

 

حديث: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»(*).

هذا الحديث مشهور عن النعمان بن بشير، وجاء أيضاً عن سهل بن سعد، باختلاف يسير في ألفاظه:

1 – فأما حديث النعمان بن بشير، فأخرجه البخاري(1)، ومسلم(2)، وابن المبارك(3)، والطيالسي(4)، والحميدي(5)، وابن الجعد(6)، وابن أبي شيبة(7)، وأحمد(8)، وبحشل(9)، وابن حبان(10)، والطبراني(11)، والرامهرمزي(12)، وابن منده(13)، واللالكائي(14)، والقضاعي(15)، والبيهقي(16)، والخطيب(17)، والبغوي(18) – واللفظ له – كلهم من طرق عن عامر الشعبي، عنه.

ولفظ البخاري «.... كمثل الجسد إذا اشتكى عضواً تداعى له...»، هكذا بنصب «عضواً»(19)، عنده وحده فقط، وقريب منه لفظ القضاعي: «..... كالجسد إذا اشتكى منه شيئاً...» بالنصب أيضاً.

وعندهما، وعند مسلم، والطيالسي، وابن الجعد، وأحمد – في موضع – وكذلك الرامهرمزي، وابن مندة، واللالكائي، كلهم: «..... بالسهر، والحمى» بتقديم «السهر»(20).

وعند مسلم أيضاً، وابن أبي شيبة، وأحمد – في موضعين – وبحشل الواسطي، وابن مندة – في روايتين – واللالكائي كلهم: «.... إذا اشتكى رأسه، تداعى له....»، بذكر «الرأس».

وللحديث طريق أخرى بلفظ: «المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله». أخرجه مسلم، وأحمد(21)،
وابن مندة
(22)، وأبو نعيم(23)، كلهم من طرق عن الأعمش، عن خيثمة، عن النعمان بن بشير.  وخيثمة هو ابن عبدالرحمن.

وله طريق ثالثة بلفظ: «مثل المؤمنين مثل الجسد، إذا ألم بعضه تداعى سائره». أخرجه الطيالسي – واللفظ له –(24) وابن أبي شيبة(25)، وأحمد(26)، كلهم من طريق حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير.

وعند ابن أبي شيبة، وأحمد – في هذا الموضع، وغيره – وابن حبان: «مثل المؤمن»، بالإفراد، ولعله خطأ من الطبع أو من الناسخ، والله أعلم.

2 – وأما حديث سهل بن سعد، فرواه ابن المبارك(27)، عن مصعب بن ثابت، عن أبي حازم، عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن من أهل الإيمان، بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان، كما يألم الجسد لما في الرأس».

ومن طريق ابن المبارك، أخرجه ابن أبي شيبة(28)، وأحمد(29)، والطبراني(30)، وأبو نعيم(31).

قال ابن صاعد: هذا حديث غريب(32).

وقال أبو نعيم: تفرد به مصعب عن أبي حازم.

ومصعب بن ثابت: (لين الحديث) (33).

الاستدلال :

استدل بهذا الحديث الدكتور/ خالص جلبي، في كتابه (الطب محراب للإيمان)(34)، على أنه يطابق ما كشفه الطب الحديث، من تعاون بين جميع أجزاء الجسم إذا حدث له شيء، فقال في أسلوب أدبي علمي: "إن السيطرة على حركة الأوعية، تعتبر حركة منسقة، في غاية الإبداع، فأي تقلب في الظروف الخارجية أو الداخلية، يستدعي العمل الفوري، وزيادة أو نقص سعة الوعاء، بما يناسب الحالة الجديدة.

فمثلاً عندما يحصل النزيف، من أي مكان في الجسم، ترسل الأوامر فوراً إلى الأوعية، لكي تتقلص، حتى يكون صبيب الدم؛ أقل ما يمكن من الخارج، بالإضافة إلى إرسال صيحات الاستغاثة، والإشارات الحمراء، إلى الصفيحات الدموية، ومولد (الليفين)، والفيتامين (ك)، والكلى، والعامل السابع، والخامس، وغيرها، حتى تتشكل الخثرة الدموية، التي تعتبر سدادة في فوهة التمزق، ثم ترسل الأوامر إلى الصديق الهادئ، الذي يعتبر مقبرة الكريات الحمر وهو الطحال، وإلى مركز الجمارك العام، وهو الكبد، حيث يكون تخزين الدم وافراً في أقبية هذه المستودعات، فترسل كميات الدم الاحتياطية على الفور، وهي تقول: لبيك لبيك!!.

وهكذا يتعاون الجسم كله، لإنقاذ جهاز الدوران مما حل به من أزمة، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: «مثل المؤمنين....»".

 


(*)  الطب محراب الإيمان (1/152).

(1) صحيح البخاري – كتاب الأدب – باب رحمة الناس والبهائم (10/438ح 6011).

(2) صحيح مسلم – كتاب البر والصلة الآداب – باب تراحم المؤمنين، وتعاطفهم، وتعاضدهم (4/1999، 2000ح 2586).

 (3)  مسند عبدالله بن المبارك (ص9ح14)، والزهد له (ص251، 252ح 722).

(4)  مسند الطيالسي (ص107ح793).

(5) مسند الحميدي (3/408، 409ح 919).

(6)  مسند ابن الجعد (1/418ح 624).

(7)  مصنف ابن أبي شيبة (13/153ح 16262).

(8)  المسند (4/268، 270، 276).

(9)  تاريخ واسط ص (200، 201).

(10) الإحسان (1/228، 257، 258ح 233، 297).

(11) المعجم الصغير (1/155ح 374)، ومكارم الأخلاق (ص73ح90).

(12) أمثال الحديث (ص127– 129ح 40، 42).

(13) الإيمان (1/455، 456ح 318، 319، 322).

(14)شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/928ح 1676).

(15) مسند الشهاب (2/283ح 1367).

(16) السنن الكبرى (3/353).

(17) تاريخ بغداد (12/65).

(18) شرح السنة (13/46، 47ح 3459، 3460).

(19) لم يشر الكرماني إلى هذا – (21/170)، ولا القسطلاني (9/22)، ولا الحافظ (10/439)، ولا العيني (18/143)، ولا السندي في حاشيته (4/52، 53)، وهذا اللفظ موجود في كل الطبعات التي عليها هذه الشروح.

(20) قد لا يظهر فرق في تقديم (السهر) على (الحمى)، أو العكس، لكن في كلام الحافظ ما يشير إلى أن السهر سبب الحمى، حيث قال: "أما السهر؛ فلأن الألم يمنع النوم، وأما الحمى؛ فلأن فقد النوم يثيرها". اهـ، فلعل السهر قُدِّم لأجل هذا، الفتح (10/439).

(21)المسند (4/276).

(22) الإيمان (1/455، 456ح 320، 321).

(23) الحلية (4/126).

(24) مسند الطيالسي (ص107ح 793).

(25) مصنف ابن أبي شيبة (13/253ح 16264).

(26) المسند (4/274).

(27) الزهد (ص241ح693).

(28)مصنف ابن أبي شيبة (13/253ح16263).

(29)المسند (5/340).

(30) المعجم الكبير (6/131).

(31) الحلية (8/190).

(32) الزهد لابن المبارك (ص241)، وابن صاعد هو: يحيى بن محمد بن صاعد، الإمامالحافظ، المجوّد محدث العراق، سير أعلام النبلاء (14/501)، وهو أحد رواة كتاب الزهد لابن المبارك.

(33)تقريب التهذيب، ص (533).

(34) الطب محراب للإيمان (1/152).



بحث عن بحث