المبحث الرابع عشر (أطوار الجنين: النطفة، العلقة، المضغة (3ـ6))

 

3 – حديث حذيفة بن أَسيد(1) مرفوعاً:

     أ    – «إذا مَرَّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكاً، فصورها، وخلق سمعها، وبصرها، وجلدها، ولحمها، وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك»(*).

    ب – «يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة، فيقول: يا رب أشقي أم سعيد؟ فيكتبان، فيقول: أي رب أذكر أم أنثى؟ فيكتبان، ويُكْتَبُ عمله، وأجله، وأثره، ورزقه، ثم تطوى الصحف، فلا يزاد فيها ولا ينقص»(**).

    جـ – «إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة، ثم يتصور(2) عليها الملك» – قال زهير: حسبته قال: «الذي يخلقها» – «فيقول: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيجعله الله ذكراً أو أنثى، ثم يقول: يا رب أسوي أم غير سوي؟ فيجعله الله سوياً أو غير سوي، ثم يقول: يا رب ما رزقه؟ ما أجله؟ ما خُلُقُه؟ ثم يجعله الله شقياً أو سعيداً»(*).

     د   – «أن ملكاً موكلاً بالرحم، إذا أراد أن يخلق شيئاً بإذن الله، لبضع وأربعين ليلة»(**).

  وقد جاء ذكر دخول الملك على النطفة ليخلقها، بعد أربعين يوماً، من حديث: جابر، وأبي ذر، وعبدالله بن عمرو بن العاص أيضاً.

  أما حديث حذيفة هذا، فانفرد به مسلم عن الستة، وانفرد به عامر بن واثلة (أبو الطفيل) عن حذيفة، وله عن عامر عدة طرق:

الأولى : أبو الزبير المكي، عنه، أخرجه مسلم(3)، من طريق ابن وهب – وهو في كتابه القدر –(4) والطحاوي(5)، وابن حبان(6)، والطبراني في الكبير(7)، والبيهقي(8)، كلهم من طريق عمرو بن الحارث، عن أبي الزبير المكي، أن عامر ابن واثلة حدثه، أنه سمع عبدالله بن مسعود يقول: الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره، فأتى رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقال له حذيفة بن أَسِيد الغفاري، فحدثه بذلك من قول ابن مسعود، فقال: وكيف يشقى رجل بغير عمل؟ فقال له الرجل: أتعجب من ذلك؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر لفظ الحديث (أ)، وتمامه: «ثم يقول: يا رب رزقه، فيقضي ربك ما يشاء، ويكتب الملك، ثم يخرج بالصحيفة في يده، فلا يزيد على ما أُمر ولا ينقص». هذا لفظ عمرو بن الحارث، عن أبي الزبير.

ورواه ابن جريج، عن أبي الزبير، به، وأوله: «إذا استقرت النطفة في الرحم اثنين وأربعين صباحاً...»،  بنحو رواية عمرو بن الحارث.

أخرجه مسلم(9) – وأحال بلفظه على رواية عمرو بن الحارث – والفريابي(10)، والآجري(11)، وأبو بكر الوراق(12)، واللالكائي(13)، كلهم من طرق عن ابن جريج به.

الثانية: عمرو بن دينار، عنه، أخرجه مسلم(14)، والحميدي(15)، وأحمد(16)، ابن أبي عاصم(17)، والفريابي(18)، والدولابي(19)، والطحاوي(20)، والطبراني(21)، والآجري(22)، وأبو بكر الوراق(23)، والبيهقي – في الاعتقاد –(24) وابن عساكر(25)، كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، به، بلفظ الحديث (ب)، وهو لفظ سفيان.

ورواه محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، به، بلفظ: «إن النطفة إذا مكنت في الرحم خمساً وأربعين ليلة...»، وباقيه مثل حديث سفيان.

أخرجه ابن أبي عاصم(26) – واللفظ له – والفريابي(27) – وعنده: «مكثت» والطبراني(28)– وعنده: «مضت على النطفة...» – وابن عساكر(29)، كلهم من طرق عن محمد بن مسلم الطائفي، بدون شك في عدد الليالي.

الثالثة: عكرمة بن خالد، عنه، أخرجه مسلم(30)، والطبراني(31)، كلاهما من طريق يحيى بن أبي بكير، عن زهير بن معاوية، عن عبدالله بن عطاء، عن عكرمة بن خالد، به، بلفظ الحديث (جـ).

الرابعة: كلثوم بن جبر(32) – وهو البصري – عنه، أخرجه مسلم(33)، والطبراني(34)، كلاهما من طريق ربيعة بن كلثوم، عن أبيه، عن أبي الطفيل به، بلفظ الحديث (د).

الخامسة: يوسف المكي، عنه، بنحو رواية أبي الزبير، إلا موضع الشاهد منه فلفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً ذوات عدد، يقول: «إن النطفة إذا وقعت في الرحم، استقرت أربعين ليلة» – قال:– «فيجيء ملك الرحم فيدخل؛ فيصور له عظمه، ولحمه، ودمه، وشعره، وبشره، وسمعه، وبصره».

  أخرجه ابن أبي عاصم(35)، والفريابي(36)، كلاهما عن أبي مسعود الجحدري: ثنا معتمر بن سليمان: ثنا أبو عوانة، عن عزرة بن ثابت الأنصاري: حدثني يوسف المكي، به، ورجاله ثقات، واللفظ للفريابي.

أما ابن أبي عاصم فعنده زيادة بعد قوله: «...... أربعين ليلة» وهي: وقال أصحابي: «خمس وأربعين ليلة، نفخ فيه الروح». وهذه الزيادة تفرد بها ابن أبي عاصم، ولم ترد عند الفريابي، مع أن شيخه وشيخ ابن أبي عاصم في هذا الحديث واحد، وهو أبو مسعود إسماعيل بن مسعود الجحدري.

والإسناد صحيح، وقال الشيخ الألباني: "على شرط الشيخين"(37).

الجمع بين روايات حديث حذيفة :

وهذا الاختلاف الحاصل في روايات حذيفة، يتراوح ما بين الأربعين، والتسعة والأربعين يوماً؛ لأن إحدى روايات مسلم فيها: «لبـِضْعٍ وأربعين ليلة» والبـِضْع: من الثلاثة إلى التسعة(38)، وقد جمع بينها القاضي عياض، بأن هذا الاختلاف هو بحسب اختلاف الأجنة(39).

وهكذا يقول الأطباء اليوم(40).

  لكن هذا الجمع ردّه الحافظ فقال: «وهو جيد لو كانت مخارج الحديث مختلفة، لكنها متحدة، وراجعة إلى أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد، فدل على أنه لم يضبط القدر الزائد على الأربعين، والخطب فيه سهل»(41). اهـ.

4 – وأما حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «إذا استقرت النطفة في الرحم أربعين يوماً، أو أربعين ليلة بعث الله إليها ملكاً؛ فيقول يا رب ما رزقه؟ فيقال له، فيقول: يا رب ذكر أم أنثى؟ فيعلم، فيقول: يارب شقي أو سعيد؟ فيعلم».

أخرجه أحمد(42) – واللفظ له – والفريابي(43)، والطحاوي(44)، كلهم من طريق خُصَيْف، عن أبي الزبير، عن جابر.

وخُصَيْف هو ابن عبدالرحمن الجَزَرِي (صدوق، سيء الحفظ، خلط بآخِرِه، ورمي بالإرجاء)(45).

  وأبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي (صدوق، إلا أنه يدلس)(46)، بل (مشهور بالتدليس)(47)، من الخامسة وقد عنعنه، وهو من غير طريق الليث، فالحديث إسناده ضعيف، لكن يتقوى بحديث حذيفة، وبالحديثين التاليين:

5 – وأما حديث عبدالله بن عمرو بن العاص فتقدم تخريجه(48).

6 – وأما حديث أبي ذر فسيأتي تخريجه(49).

 


(1)   بفتح الهمزة، وكسر السين المهملة. توضيح المشتبه (1/212، 213)..

(*)  علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة ص (119).

(**)  النشأة الأولى (1/218).

(2)  قال النووي: "هكذا هو في جميع نسخ بلادنا «يتصور» بالصاد، وذكر القاضي: «يتسور» بالسين قال: والمراد بيتسور: ينزل، استعارة من تسورت الدار، إذا نزلت فيها من أعلاها، ولا يكون التسور إلا من فوق، فيحتمل أن تكون الصاد، الواقعة في نسخ بلادنا، مبدلة من السين، والله أعلم". اهـ.

 والاحتمال الذي ذكره النووي بعيد، لاسيما وقد وردت (الصاد) عند الطبراني، ولها معنى سائغ، قال ابن فارس عن (الصاد والواو والراء): ومما ينقاس منه قولهم: (صَوِرَ يَصْوَر) إذا مال، و(صُرْت الشيء أَصُورُه، وأَصَرْتُه) إذا أَمَلْتَه إليك. "ويجيء قياسه (تَصَوَّرَ) لما ضرب كأنه مال وسقط". معجم مقاييس اللغة (3/320)، وفسرها الأصفهاني في المجموع المغيث (2/300)، وابن الأثير في النهاية (3/60) بأن معناها: يسقط، من قولهم ضربته ضربة تصور منها: أي سقط.

(*)  المصدر السابق.

(**) الطب النبوي والعلم الحديث (3/320، 338).     

(3)  صحيح مسلم – كتاب القدر – باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه.... (4/2037ح 2645).

(4) القدر، ص (141ح31).

(5)  مشكل الآثار (3/278، 279).

(6)  الإحسان (8/19ح 6144).

(7)  المعجم الكبير (3/198ح 3044).

(8)  السنن الكبرى (7/422)، والأسماء والصفات، ص (140).

(9)  صحيح مسلم (4/3037)، قال: بمثل حديث عمرو بن الحارث.

(10)  القدر (ق 27، 28) ولفظه "اثنين وسبعين صباحاً"، وهو خطأ من الناسخ.

(11)  الشريعة ص (183، 184).

(12)  زيادات أبي بكر الوراق على القدر لابن وهب (ص142، 143ح 32).

(13)  شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/593ح 1047).

(14)  صحيح مسلم (4/2037ح 2644).

(15)  مسند الحميدي (1/364ح 826).

(16)  المسند (4/6، 7).

(17)  السنة (1/80ح 180)، وفي الآحاد والمثاني (2/257، 258ح 1010).

(18)  القدر (ق 26).

(19)  الكنى (1/74).

(20)  مشكل الآثار (3/278).

(21)  المعجم الكبير (3/195ح 3039).

(22)  الشريعة ص (182، 183).

(23)  زيادات أبي بكر الوراق على القدر لابن وهب (ص 143 – 145ح 33، 34).

(24)  الاعتقاد، ص (78).

(25)  تاريخ دمشق (4/285).

(26)  الآحاد والمثاني (2/258ح 1011).

(27)  القدر (ق 26، 27).

(28)  المعجم الكبير (3/195ح 3038).

(29)  تاريخ دمشق (4/285).

(30)  صحيح مسلم (4/2038ح 2645/4).

(31)  المعجم الكبير (3/194).

(32)  تحرف عند الطبراني إلى (جبير).

(33)  صحيح مسلم (4/2038/ (....).

(34)  المعجم الكبير (3/196ح 3040).

(35)  السنة (1/79، 80ح 179).

(36)  القدر (ق 26).

(37)  ظلال الجنة في تخريج السنة (1/81).

(38)  وقيل: ما بين العقدين، من واحد إلى عشرة، ومن أحد عشر إلى عشرين. القاموس (1/283) وذكر أقوالاً أخرى.

(39)  الفتح (11/481).

(40)  انظر: كتاب النشأة الأولى (1/219) الهامش، ونقله الدكتور/ محمود ناظم النسيمي في كتابه (الطب النبوي والعلم الحديث)، ونقل الشيخ عبدالمجيد عن أستاذ علم الأجنة الدكتور الكندي/ كيث مور، والأستاذ الدكتور الياباني/ شميجوا وجادوا، نقل عنهم أنهم ذكروا أن الأجنة تختلف في درجة النمو، وأن الاختلاف قد يصل إلى أربعة أيام أو خمسة، بحث (خلق الإنسان قبل أربعين يوماً وبعدها) للشيخ الزنداني، من أبحاث المؤتمر الدولي الأول عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة – باكستان.

(41)  الفتح (11/481).

(42)  المسند (3/397).

(43)  القدر (ق 28).

(44)  مشكل الآثار (3/279).

(45)  تقريب التهذيب، ص (193).

(46)  تقريب التهذيب، ص (506).

(47)  طبقات المدلسين، ص (45).

(48)  في المبحث الثامن من الفصل الأول.

(49)  في المبحث الخامس عشر.



بحث عن بحث