المبحث الرابع عشر (أطوار الجنين: النطفة، العلقة، المضغة (2ـ6))

 

  الثانية: أبو عبيدة بن عبدالله، قال: قال عبدالله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً على حالها لا تغير، فإذا مضت الأربعون صارت علقة، ثم مضغة كذلك، ثم عظامها كذلك، فإذا أراد الله أن يسوي خلقه، بعث إليها ملكاً، فيقول الملك الذي يليه: أي رب أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ أقصير أم طويل؟ أناقص أم زائد؟ قوته وأجله؟ أصحيح أم سقيم؟ قال: فيكتب ذلك كله». فقال رجل من القوم: ففيم العمل، وقد فرغ من ذلك كله؟ قال: «اعملوا، فكل سيوجه لما خلق له».

  أخرجه أحمد(1) – وعنه ابنه عبدالله في السنة –(2) عن هشيم، عن علي بن زيد، عنه، به، وأبو عبيدة وإن كان ثقة، إلا أن (الراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه) (3). وعلي بن زيد (ضعيف) (4).

  الثالثة: أبو وائل شقيق بن سلمة، وعنه ثلاث طرق:

إحداها: عاصم بن بهدلة، أخرجه الخلال(5)، والطبراني(6)، كلاهما من طريق الحسن بن عرفة، عن أبي حذيفة: موسى بن مسعود، عن الهيثم بن جهم المؤذن، عنه، به، مرفوعاً: «إن النطفة إذا استقرت في الرحم، نالت كل شعر وبشر، ثم تكون نطفة أربعين ليلة، ثم تكون علقة أربعين ليلة، ثم تكون مضغة أربعين ليلة، ثم تكون عظاماً أربعين ليلة، ثم يكسو الله العظم لحماً، فيقول الملك: أي رب: أشقي أم سعيد؟ أي رب: أذكر أم أنثى؟» الحديث.

   وعاصم بن بهدلة (صدوق له أوهام، وحديثه في الصحيحين مقرون)(7)، والهيثم بن جهم ذكره البخاري(8)، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقال أبو حاتم: "لم أر في حديثه مكروهاً"(9)، وذكره ابن حبان في ثقاته(10).

وأبو حذيفة (صدوق سيء الحفظ، وكان يصحف) (11).

  فالإسناد ضعيف، وفي المتن نكارة.

ثانيتها: حماد بن أبي سليمان، أخرجه الطبراني(12)، وابن عدي(13)، كلاهما عن زكريا بن يحيى الساجي، عن أبي الربيع الزهراني، عن سلام الطويل، عن زيد العَمِّي، عنه، به، مرفوعاً: «إن النطفة لتكون في الرحم أربعين يوماً، ثم تكون مثل ذلك علقة، ثم تكون مثل ذلك مضغة، ثم يبعث الله ملكاً بأربع كلمات....» الحديث.

   وحماد بن أبي سليمان (صدوق له أوهام)(14).

   وزيد العَمِّي ابن الحواري (ضعيف)(15).

   وسلام الطويل ابن سليم أو سلم (متروك)(16).

  ثالثتها: يزيد بن عبدالرحمن، موقوفاً، رواه محمد بن الحسن الشيباني، في كتابه الآثار(17) – ومن طريقه اللالكائي(18) – عن أبي حنيفة النعمان، عن يزيد بن عبدالرحمن، عن أبي واثلة – أو ابن واثلة شك محمد بن الحسن– عن عبد الله بن مسعود. والذي عند اللالكائي (عن أبي وائلة أو ابن وائلة)، ولم أجد في الرواة عن ابن مسعود، من يكنى بهذه الكنية، ولعله خطأ من الناسخ؛ حيث أن الحافظ لم يذكره في (الإيثار بمعرفة رواة الآثار) وإنما يعرف هذا الحديث عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود.

   ولفظ الحديث هو: «تكون النطفة في الرحم أربعين يوماً، ثم تكون علقة أربعين يوماً، ثم تكون مضغة أربعين يوماً، ثم ينشأ خلقه....».

   ويزيد بن عبدالرحمن، قال فيه الحافظ: (أظنه الأَوْدِي جَدّ عبدالله بن إدريس الكوفي...) (19)، والأودى (مقبول) (20).

   وأبو حنيفة، وتلميذه محمد بن الحسن، وإن كانا إمامين في الفقه، إلا أنه لم يكن لهما عناية المحدثين بضبط الحديث وروايته.

  الرابعة: مخارق بن سليمان، موقوفاً، بنحو رواية أبي حنيفة، عن يزيد بن عبدالرحمن، أخرجه الفريابي(21)، وفي إسناده عبدالله بن مخارق، ذكره البخاري(22) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن أبي حاتم، ونقل عن ابن معين أنه قال عنه: "مشهور"(23)، وذكره ابن حبان في ثقاته(24).

   وأبوه مخارق ذكره البخاري(25)، وابن أبي حاتم(26)، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في ثقاته(27)، لكن سموه: مخارق بن سليم.

  الخامسة: عبدالله بن ربيعة السلمي، موقوفاً، قال: كنا جلوساً عند عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه ، فذكر القوم رجلاً سيء الخلق، فقال بعضهم أما له من ينهاه، أما له من يأخذ على يديه؟ فقال عبدالله: تقولون ذاك؟! أرأيتم لو قطع رأسه، أكنتم تقدرون على أن تجعلوا له رأساً آخر؟! قالوا: لا، قال: أرأيتم لو قطعت يده...– إلى قوله – فإنكم لن تغيروا خُلقُه، كما لم تغيروا خَلقُه، ثم قال: إن النطفة إذا وقعت في الرحم التي يقضي فيها النفس، كانت في الجسد أربعين يوماً، ثم تحادرت دماً فكانت علقة مثل ذلك، ثم يبعث الله الملك، فيقول: أكتب رزقه، وأثره، وخلقه، وأجله، وأكتب أشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح.

  أخرجه الفريابي(28) من طريق الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن عبدالله بن ربيعة السلمي، به، وفيه عنعنة الأعمش.

  السادسة: ما رواه الطبري(29) عن موسى بن هارون، عن عمرو بن حماد، عن أسباط، عن السُّدِّي، عن أبي مالك، [و] (30) عن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة المهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، في تفسير قوله تعالى:{ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم } [آل عمران: 6]، قال: «إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يوماً، ثم تكون علقة أربعين يوماً، ثم تكون مضغة أربعين يوماً، فإذا بلغ أن يخلق، بعث الله ملكاً يصورها، فيأتي الملك بتراب بين أصبعيه، فيخلطه في المضغة، ثم يعجنه بها، ثم يصورها كما يؤمر، فيقول: أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ وما رزقه؟ وما عمره؟ وما أثره؟ وما مصائبه؟ فيقول الله ويكتب الملك، فإذا مات الجسد، دفن حيث أخذ ذلك التراب».

  والسُّدِّي هو الكبير: إسماعيل بن عبدالرحمن بن أبي عكرمة، قال فيه الحافظ: (صدوق يهم، ورمي بالتشيع) (31).

   وأسباط هو ابن نصر الهمداني، قال فيه الحافظ: (صدوق، كثير الخطأ، يغرب) (32).

وعمرو بن حماد بن طلحة، قال فيه الحافظ: (صدوق رُمي بالرفض)(33).

وموسى بن هارون، لم أقف على ترجمته.

    وقد خالفه أبو زرعة عبيد الله بن عبدالكريم الرازي، فوقفه على السُّدِّي. أخرجه ابن أبي    

حاتم في تفسيره(34).

  وفي هذا الحديث زيادة منكرة، وهي ذكر التراب، وعجن النطفة به، ودفن الجسد حيث أخذ ترابها.

  وقد أوردت هذه الطريق عن ابن مسعود؛ لأن الحديث مشهور عنه، وإلا فتفسير السُّدِّي تُكُلِّم فيه، وذلك أنه خلط أسانيده، وساق بها متونه مساقاً واحداً، ولم يبين ما لكل إسناد، ولذا قال الإمام أحمد: "إنه لَيُحْسِنُ الحديث، إلا أن هذا التفسير الذي يجيء به، قد جعل له إسناداً واسْتَكْلَفَه"(35).

  وقال الطبري – عن حديث أورده من طريق السدي –: "ولست أعلمه صحيحاً إِذْ كنت بإسناده مرتاباً". وقال الشيخ أحمد شاكر: "وحق لأبي جعفر أن يرتاب في إسناده؛ فإن هذا الإسناد فيه تساهل كثير، من جهة جمع مفرق التفاسير عن الصحابة، في سياق واحد..."(36).

  السابعة: خيثمة، عنه، في تفسير قوله: «يجمع في بطن أمه»، رواه البيهقي، من طريق عمار بن رزيق، قال: قلت للأعمش: ما يجمع في بطن أمه؟ قال: حدثني خثيمة قال: قال عبدالله رضي الله عنه: إن النطفة إذا وقعت في الرحم، فأراد الله أن يخلق منها بشراً، طارت في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعرة، ثم يمكث أربعين ليلة، ثم يترك دماً في الرحم، فذلك جمعها(37).

  وخيثمة هو ابن عبدالرحمن الجعفي (ثقة، وكان يرسل) (38)، ولم يسمع من ابن مسعود شيئاً، قاله أحمد، وأبو حاتم(39).

  فالإسناد ضعيف، والمتن فيه نكارة في قوله «طارت في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعرة».

تنبيه: تبين من تخريج هذا الحديث أن قوله صلى الله عليه وسلم: «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك...» الحديث. هذا اللفظ هو الذي أخرجه ثلاثة وعشرون من أصحاب كتب الرواية، على رأسهم البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وتواتر عليه ثمانية عشر راوياً عن الأعمش – هم الذين أُورِدَت ألفاظهم – وتابعه عليه سلمة بن كهيل، فهؤلاء كلهم لم يذكروا فيه لفظة: «نطفة»، ولا كرروا الأربعين يوماً، ولا غيرها، فدل هذا على أن الزيادات الموجودة في الروايات الأخرى، كانت من تصرف الرواة، لأنهم فيما يبدوا رووه بالمعنى، فلهذا كثرت ألفاظهم، وخالفت ما في الصحيح، الذي يبين أن الخلق يجمع في الأربعين، والله أعلم.


 


(1)  المسند (1/374).

(2)   السنة (2/397ح 863).

(3)   تقريب التهذيب، ص (656).

(4)   تقريب التهذيب، ص (401).

(5)   السنة (359، 540ح 892).

(6)   المعجم الصغير (1/174ح 434).

(7)   تقريب التهذيب، ص (285).

(8)   التاريخ الكبير (8/216).

(9)   الجرح والتعديل (9/283).

(10)   الثقات (9/235).

(11)   تقريب التهذيب (554).

(12)   المعجم الكبير (10/240ح 10440).

(13)   الكامل (3/299).

(14)   تقريب التهذيب، ص (178).

(15)   تقريب التهذيب، ص (223).

(16)   تقريب التهذيب، ص (261).

(17)   الآثار (ص 82ح 389).

(18)   شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/704ح 1308).

(19)   الإيثار بمعرفة رواة الآثار ص (28).

(20)  تقريب التهذيب، ص (603).

(21)  القدر (ق25).

(22)  التأريخ الكبير (5/208).

(23)  الجرح والتعديل (5/179).

(24)  الثقات (7/54).

(25)  التاريخ الكبير (7/430).

(26)  الجرح والتعديل (8/352).

(27)  الثقات (5/444).

(28)  القدر (ق 25، 26).

(29)  تفسير الطبري (3/169).

(30)  ساقطة من المطبوعة، وأثبتها من طبعة الشيخ أحمد شاكر (1/1067).

(31)  تقريب التهذيب، ص (108).

(32)  تقريب التهذيب، ص (98).

(33)  تقريب التهذيب، ص (420).

(34)  تفسير ابن أبي حاتم (2/40، 41ح 60).

(35)  تهذيب التهذيب (1/274).

(36)  تعليق الشيخ أحمد شاكر على تفسير الطبري (1/348).

(37)  الأسماء والصفات، ص (387).

(38)  تقريب التهذيب، ص (197).

(39)  تهذيب التهذيب (3/154).



بحث عن بحث