المبحث الثالث عشر (توريث السمع والبصر (2ـ2))

 

4 – وأما حديث جابر، فأخرجه البخاري – في الأدب المفرد –(1)، والبزار(2)، كلاهما من طريق عبدالله بن إدريس، عن ليث بن أبي سليم، عن محارب بن دثار، عنه.

قال الهيثمي: "رواه البزار، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجاله رجال الصحيح"(3).

وهو كما قال إلا في ليث بن أبي سليم فهو (صدوق اختلط جداً، ولم يتميز حديثه فترك)(4).

ووصفه بالتدليس – إضافة إلى الهيثمي – البوصيري(5)، والشوكاني(6)، والدكتور/ مسفر الدميني(7).

5 – وأما حديث عبدالله بن الشخير، فرواه البزار(8)، قال: حدثنا أبو يزيد عمرو بن يزيد الجرمي: ثنا الحسن بن الحكم بن طهمان: ثنا سيار أبو الحكم، قال: سمعت مطرف بن عبدالله بن الشخير، يحدث عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول....، وذكر الحديث. ثم قال: "لا نعلمه عن عبدالله بن الشخير، إلا بهذا الإسناد".

وقال الهيثمي: "رواه البزار، والطبراني، وفيه الحسن بن الحكم بن طهمان وهو ضعيف"(9).

وقال أبو حاتم في الحسن بن الحكم بن طهمان: "ما أقربه من عبدالله بن العلاء بن خالد، وحديثه صالح، ليس بذلك، يضطرب "(10)، وقال في عبدالله بن العلاء: "صالح"(11).

ولذا فإن الحسن بن الحكم، أرفع قليلاً من رتبة الضعيف، فالأولى أن يقال فيه: (فيه ضعف).

وشيخ البزار (صدوق) (12)، وبقيه رجاله ثقات.

6 – وأما حديث سعد بن زرارة، فأخرجه الطبراني(13)، والخطيب(14)، كلاهما من طريق علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد ابن عبدالرحمن بن ثوبان، عنه.

ورجاله كلهم ثقات، إلا أن يحيى بن أبي كثير، يدلس ويرسل، وقد عنعن، لكنه من الثانية(15)، فالإسناد حسن.

7 – وأما حديث علي بن أبي طالب، فأخرجه الطبراني(16)من طريق داود ابن رُشيد، عن عبدالله بن جعفر، عن موسى بن عقبة، عن الحسن بن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده.

وقال: "لم يروه عن موسى بن عقبة، إلا عبدالله بن جعفر، تفرد به داود ابن رُشيد، ولا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد".

وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في الصغير، والأوسط، وفيه عبدالله بن جعفر المديني، وهو متروك"(17).

وقال الحافظ في عبدالله بن جعفر – والد علي بن المديني –: (ضعيف) (18).

وقد خالفه حفص بن ميسرة – وهو ثقة – فرواه عن موسى بن عقبة، عن حسين بن علي بن الحسين، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب.

رواه الحاكم، عن علي بن عيسى بن إبراهيم، عن أحمد بن بكار القرشي، عن سعيد بن منصور، عن عبدالله بن وهب بن مسلم القرشي، عن حفص بن ميسرة، به. وصححه(19)، ووافقه الذهبي.

ولم أقف على ترجمة شيخ الحاكم، ولا ترجمة شيخ شيخه، وبقية رجاله ثقات، إلا أن فيه انقطاعاً، فإن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لم يسمع من جده([20]).

8 – وأما حديث أنس، فأخرجه ابن السني(21)، والحاكم(22)، كلاهما من طريق يوسف بن عطية، عن يزيد بن أبان الرقاشي، عنه.

لم يتكلم عليه الحاكم، وقال الذهبي: " فيه ضعيفان"، وهو كما قال: بل إن أحدهما متروك، وهو يوسف بن عطية(23)، والآخر ضعيف، وهو يزيد بن أبان الرقاشي(24).

 

الاستدلال :

هذا الحديث فسره الشيخ عبدالمجيد الزنداني(25) بما كشفه علم الجينات والوراثة فقال – وهو يبين تطابق قوله تعالى: { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سمعيا بصيرا } [الإنسان: 2] مع علم الأجنة –: "لو أخذنا مشيجة وكبرناها، ثم كبرنا الجزء العلوي منها، لرأينا بداخله سلماً لولبياً، وفي كل سلمة تقدير صفة من صفات الإنسان، مثل: لون العين، الشعر، شكل الأنف، شكل الأذن،......، وعندما تلتقي مشيجة الرجل مع مشيجة المرأة يحدث اتحاد، وفي مشيجة الرجل خصائص أسلافه، وفي مشيجة المرأة خصائص أسلافها، فمثلاً يكون في أسلاف الأم صفة عين قوية، وصفة عين ضعيفة، يعني: الجزئية التي ستورث صفات العين فيها مُورِّث قوي، تكون نتيجته عين قوية، وفيها مُورِّث ضعيف تكون نتيجته عين ضعيفة، وكذلك الجزئية التي ستورث صفة السمع، فيها مُورِّث قوي، يعطي سمعاً قوياً، وفيها مُورِّث ضعيف، يعطي سمعاً ضعيفاً.

فإذا اتحدت هذه المشائج التي تحمل مُورِّثات الصفات، سيظهر أَيُّ الصفات ستتغلب، الضعيفة، أَمِ القوية، فإذا تغلبت الصفة القوية، ورثها الولد، فإن كانت قوية في البصر، ورث بصراً قوياً، وإن كانت في السمع، ورث سمعاً قوياً، وإن تغلبت الصفة الضعيفة، ورثها الولد سواء كانت في السمع، أو في البصر، أو غيرها.

وهذه القضية لا يعرف لها الأطباء قانوناً محدداً، ولذا فهم يقولون: صفات سائدة، وصفات متنحية، تتنحى صفة، وتسود صفة، وقد تكون السائدة ضعيفة، وقد تكون قوية.

ولذا نعلم معنى الدعاء الذي نردده: «ومتعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقواتنا(26)ما أحييتنا، واجعله الوارث منا»: الذي يُورث في أبنائنا، وهذا أرجح المعنيين في تفسير: «واجعله الوارث منا»"، انتهى كلامه، بشيء من التصرف في الصياغة.

 


(1) الأدب المفرد (2/104، 105ح 649).

(2)  كشف الأستار (4/59ح 3914).

(3)  مجمع الزوائد (10/178).

(4)  تقريب التهذيب (ص464).

(5)  مصباح الزجاجة (1/98).

(6)  نيل الأوطار (5/96).

(7)  التدليس في الحديث (ص437، 438)، وعده في المدلسين؛ لأنه روى التفسير عن مجاهد، وهو لم يسمع منه، ثم قال: "ولم أجد أحداً ذكره في المدلسين".

(8)  كشف الأستار (4/60ح 3195).

(9) المجمع (10/178) وبهامشه تعليقة على (الطبراني) وهي: (والطبراني في زيادات نُسَخِه).

(10) الجرح والتعديل (3/8).

(11)  المرجع السابق (5/128).

(12)  تقريب التهذيب (ص428) وكنيته فيه (أبو بريد) بالباء والراء المهملة، وكذلك في المقتنى (1/105).

(13)  الدعاء (3/1475، 1476ح 1448).

(14)  تاريخ بغداد (10/424).

(15)   طبقات المدلسين ص (36).

(16)  الدعاء (3/1457، 1458ح 1410)، والمعجم الصغير (2/377ح1043)، والأوسط (مجمع البحرين ق 452).

(17)  المجمع (10/178).

(18)   تقريب التهذيب (ص298).

(19)  المستدرك (1/527).

(20)  تحفة التحصيل (ق 47)، وتهذيب التهذيب (7/268).

(21) عمل اليوم والليلة (ص266ح 565).

(22)  المستدرك (4/413، 414).

(23) تقريب التهذيب ص (611).

(24) المصدر السابق ص (599).

(25) في محاضرة له سبق ذكرها في أول هذا المبحث.

(26)  سبق بيان أن الرواية جاءت بإفراد القوة.



بحث عن بحث