تتمة الاستدلال بالأحاديث السابقة والتعليق عليها

 

5 – أثر ماء الرجل وماء المرأة في الإذكار والإناث:

 

استدل الدكتور عبداللطيف ياسين، في كتابه (صبي أم بنت)(1)، والدكتور محمود ناظم النسيمي، في كتابه (الطب النبوي والعلم الحديث)(2)، ومحمد السيد أرناؤوط، في كتابه (الإعجاز العلمي في القرآن)(3)

 

كلهم بـ (ح8)، إلا الأخير فأضاف (ح7).

فذكروا ما حاصله: أن مني الرجل فيه نوعان من الحيوانات المنوية: النوع الأول مذكر، يحمل شارة الذكورة (y)، والثاني مؤنث، يحمل شارة الأنوثة (x)، أما البويضة فدائماً مؤنثة (x)، فأي نوع من الحيوانات سبق وعلا الآخر، كان الولد له، فإن علا وسبق المذكر، كان الولد ذكراً، وإن سبق وعلا المؤنث، كان الولد أنثى.

ثم حملوا السبق والعلو في الأحاديث، على هذا المعنى.

وزعم محمد السيد أرناؤوط: أن هذا إعجاز رائع للأحاديث النبوية.

 

التعليق:

 

ما فعله هؤلاء المستدلون، هو تعسف سافر لألفاظ الحديث النبوي، وتجرؤ ظاهر؛ حيث إنهم جعلوا الإذكار والإيناث كليهما، لماء الرجل وحده، وحملوا كلمة الماء، على الحيوان المنوي المذكر، والحيوان المنوي المؤنث.

ولعل الحامل لهم على هذا الحمل؛ هو أن المعلومات الطبية تقول: إن الذكورة والأنوثة يسببهما مني الرجل، أما المرأة فهي مستقبلة لأي الجنسين، فإن لقحت بويضتها بحيوان منوي مذكر، كان الولد ذكراً، وإن لقحت بمؤنث، كان الولد أنثى.

وأكدوا هذه المعلومات الطبية بقوله تعالى: { ألم يك نطفة من منّيِ يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى }  [القيامة: 37–39].

فظنوا أن المني إنما هو مني الرجل، مع أن الحديث الذي استدلوا به ينص على أن للمرأة منياً!!.

ومن تنبه إلى قضية أن للمرأة منياً، كان كلامه معقولاً، ومن هؤلاء الدكتور مأمون شقفة حيث قال – عند كلامه عن (ح8) في الذكورة والأنوثة – :

 

"فمن المعلوم أن الرجل، يحمل كروموزمين جنسيين في كل خلاياه، هما (xy) وأن أحدهما فقط يكون لولده، وأن المرأة تحمل كروموزمين جنسيين في كل خلاياها، هما (xx)، وأن أحدهما فقط يكون لولدها...، وهكذا فإن الولد إذا كان ذكراً، فإنه يحمل الكروموزوم (y)، الذي أتاه من أبيه، والذي بسببه أصبح ذكراً، ولم يستطع الكروموزوم (x)، الذي أتاه من أمه، أن يمنع الكروموزوم (y) من تقرير الذكورة نهائياً.

إذن هنا: علا مني الرجل وسيطر بالكروموزوم (y)؛ فكان الولد ذكراً بإذن الله، وهذا شرح دقيق لنصف المسألة.

 

أما في حالة البنت، فالأمر بحاجة إلى تفصيل:

فالحقيقة أن تأنيث الكائن الجديد، لا يتقرر لوجود الكروموزوم (x)، فهو موجود في الذكر أيضاً كما رأينا، وهو موجود في تناذرتورنر (TURNER) وصيغته (xo)، والكائن هذا لا يعتبر أنثى بالمعنى الصحيح، لغياب المبيضين منه، ولكن لابد للتأنيث من شرطين:

 

الأول: غياب الكروموزوم (yوالثاني: وجود الكروموزوم (x) القادم من الأنثى، فحيثما وجد الكروموزوم (y)، فإن الكائن القادم ذكر، فإذا غاب هذا الكروموزوم، فإن الكروموزوم (x) القادم من الرجل، وحده لا يستطيع أن يكون أنثى، ولابد من وجود كروموزومين كلاهما (x)، أحدهما من الرجل، والثاني من المرأة، ليكون الكائن الجديد أنثى، إذن فالدور المؤنث هنا في الحقيقة، هو للكروموزوم (x) القادم من المرأة، وفي هذا شرح للشطر الآخر من المسألة، والله أعلم.

"ثم علق القضية فقال: "ولعل في المسألة سراً ستكشفه الأيام"(4).

 

وأما الدكتور محمد علي البار، فقد توقف في هذه القضية، فقال: "وإلى الآن لا ندري مدى تأثير ماء المرأة، على نشاط الحيوانات المنوية، المذكرة أو المؤنثة"(5).

 

ثم ذكر أن هذه القضية، بحاجة إلى إجراء بحوث دقيقة لبيانها.

إلا أنه ذكر قول من قال بأن المراد: غلبة وسيطرة أحد الحيوانين المنويين، المذكر والمؤنث على الآخر، ولم يرده!

وقد وقفت على مقال بعنوان: (والمرأة أيضاً تحدد جنس الجنين)، للدكتور محيي الدين عمر لبنية، نشرته مجلة الفيصل، في عددها السابع والخمسين بعد المئة، قال فيه:

"قام الفريق الطبي الأمريكي، المكون من الدكتور مينكوف (H.Minkoff) ومعاونيه، باستعراض حالات ولادة (212) امرأة، من منطقة بروكلين في مدينة نيويورك، واستخلاص النتائج منها، لتحديد تأثير بعض العوامل الخاصة بالمرأة، في تحديد جنس الجنين، وكانت مواليد أولئك النساء هي (116) ذكراً، و(96) أنثى.

ولقد اكتشف أولئك العلماء: وجود علاقة بين معدل حدوث الالتهابات المهبلية، بفعل كائنات حية دقيقة غير متخصصة (Vaginal Flora) في المهبل، وجنس المولود، ولاحظوا أن النساء اللواتي تعرضن لدرجة أشد، من الالتهابات المهبلية، ولدن إناثاً، وفسروا تلك الظاهرة كما يلي:

يصل رقم حموضة سوائل المهبل إلى أدنى حد له، أثناء فترة نزول البيضة كل شهر، من أحد المبيضين للمرأة، وهو عادة في اليوم الرابع عشر، بعد توقف الدورة الشهرية لها، بينما يكون رقم الحموضة في إفرازات عنق الرحم حينئذ، في أعلى درجاته، ويؤثر رقم حموضة سوائل المهبل، على حركة ونشاط نطاف الرجل، فإن كان حامضياً الـ (PH) أقل من (7) –، تزداد فرصة وصول النطاف الحاملة لعامل الذكورة إلى الرحم، بينما يؤدي نمو وتكاثر الكائنات الحية الدقيقة، المسببة للالتهابات في المهبل، إلى جعل السوائل فيه قاعدية التأثير الـ (PH) أكثر من (7) – تزداد فرصة وصول النطاف الحاملة لعامل الأنوثة، إلى الرحم لإخصاب البويضة، ولقد لاحظ الفريق الطبي الأمريكي أيضاً، ظهور حمولة جرثومية كبيرة في المهبل، وحدوث التهابات مهبلية غير متخصصةNon8 Specific Vaginits في 43% من النساء اللآتي ولدن ذكوراً، بينما وصلت نسبة الإصابة بها نحو 60% من الأمهات اللواتي أنجبن إناثاً، وكان تأثير رقم الحموضة المرتفع (V, PH)، الناتج عن نشاط الأحياء الدقيقة المرضية، قوياً إلى الحد الذي انعكس فيه التأثير الطبيعي المرغوب، لرقم الحموضة الأقل (PH منخفض) لحمل الذكور، وفسر أولئك العلماء حدوث ذلك: أن النطاف الحاملة للصبغيات الجنسية الخاصة بصفة الأنوثة (x)، تقاوم أكثر التأثيرات الضارة لالتهابات المهبل، وارتفاع رقم الحموضة فيه.

وبلا شك لازالت هناك حاجة لدراسة تأثيرات نوع الأحياء الدقيقة، الموجودة بأعداد كبيرة في المهبل، على حركة ونشاط نوعي نطاف الرجل؛ لزيادة توضيح دور العوامل الخاصة بالمرأة، في تحديد جنس الجنين"(6). اهـ.

 

ولكن هذه المعلومات هي عن إفرازات المهبل، والحديث يَرُدُّ الإذكار والإيناث إلى ماء المرأة الأصفر، وقد تقدم في صفة ماء المرأة، أن الماء الأصفر هو الماء الذي يحمل البويضة.

ولذا فإن المسألة بحاجة إلى دراسات عميقة ودقيقة، والعلم عند الله.

 

 


 


(1) -  صبي أم بنت؟ ص (82، 83).

(2) -  الطب النبوي والعلم الحديث (3/347 – 349).

(3) -  الإعجاز العلمي في القرآن ص (299، 302).

(4) -  مجلة الفيصل – عدد 157 – رجب 1410هـ، ص (85).

(5) -  خلق الإنسان بين الطب والقرآن ص (391).

(6) -  القرار المكين ص (181).

 

 



بحث عن بحث