الجواب عن تعريفات أعداء الإسلام (للسنة)

 

  الثاني: أن كلمة السنة قد تخصصت في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- بأنها الطريقة – طريقته - صلى الله عليه وسلم- في تبليغ ما أوحي إليه من بيان القرآن بلفظه وأسلوبه (حديثًا) أو بفعله (عملاً) أو بتقريره (إجازةً) وهما في دلالتهما كاللفظ – التي يجب على المسلمين اتباعها، فإن عليهم أن يطيعوه ويستجيبوا له في كل ما يأمرهم به، وينهاهم عنه، ويندبهم إليه، كما قال عز وجل (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [ الحشر /7]، وكما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) [ النساء /59 ].

        وآيات القرآن كثيرة في وجوب اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم- فيما أمر به ونهى عنه، والشواهد كثيرة على أن كلمة السنة قد أضيفت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وتخصصت بأنها طريقته، ومن تلك الشواهد قوله في حديث الرهط الثلاثة: (... تلك سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني)(1)، وقوله: (عليكم بسنتي)(2).

        وإذا جاوزنا عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى عهد الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين لهم بإحسان وجدنا الأمر قد استقر عندهم على أن كلمة السنة تعني طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم- دون سواه، وعلى أنها إذا ذكرت معرفة (بأل) ولم تقيد بشأن فلا تنصرف إلا إلى طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم-.

         ومن الشواهد التي دلت على ذلك:

         ما رواه ابن شهاب الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- في قصته مع الحجاج الثقفي بشأن وقت صلاة الجمعة، يقول عبد الله للحجاج: " إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة " أي أَدِّ الصلاة في وقت الهجير الذي يكون عند منتصف النهار"، قال ابن شهاب: " قلت لسالم هل فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، قال سالم: وهل كانوا يعنون بذلك إلا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "(3).

        فنقل سالم وهو تابعي جليل ثقة وأحد فقهاء المدينة عن الصحابة أنهم إذا استعملوا كلمة السنة مطلقة لا يريدون بها إلا طريقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- دون سواه، وبهذه الشهادة الصحيحة الواضحة تندفع دعوى هؤلاء الأعداء القائلة بأن كلمة السنة لم تتخصص إلا في نهاية القرن الثالث الهجري.

 الثالث: أن القول بأن السنة هي السنة العملية المتواترة فقط، قول لا صحة له، بل هو اصطلاح حادث لا يخفى بطلانه(4)، لأنا بينا سابقا أن السنة تشمل أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم-، وأفعاله، وتقريراته، وهذا الذي عليه أهل العلم قديمًا وحديثًا (5).

      ولو قصرت السنة على السنة المتواترة العملية لفرط في كثير من الأحاديث القولية التي نقلت عنه - صلى الله عليه وسلم- في جميع جوانب الدين، في الأحكام، والأخلاق، والمواعظ.(6)

        بل وفرط في السنن العملية التي لم يداوم على فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم-، أو لم يثبت استمراره عليها، كصوم يوم عاشوراء(7)، وصلاة القيام التي صلاها بالناس ثلاث ليال من رمضان فقط(8)، وكالصيغ المختلفة لدعاء الاستفتاح(9).

        وإطلاق السنة على الأحاديث القولية ليس اصطلاحا حادثا كما يزعمون، وإنما هو أمر معهود في الصدر الأول(10).

الرابع: أن كلمة السنة كانت في جميع الاستعمالات – كما هو واضح من الأمثلة التي أوردناها – تتخصص بمن تضاف إليه أو بما توصف به، أو بالسياق الذي ترد فيه، فينبغي ملاحظة ذلك في كافة استعمالاتها، سواء في اللغة، أو في القرآن الكريم، أو في الأحاديث والآثار، وإهمال ذلك يؤدي – كما رأينا – إلى خلط كبير.

الخامس: أن مصطلح السنة ومصطلح الحديث كانا مترادفين زمن النبوة المباركة، وزمن الصحابة -رضي الله عنهم- وزمن التابعين وتابعيهم -رضي الله عن الجميع-، وعلى ذلك علماء الشرع الحنيف – وقد سبق بيان ذلك – خلافًا لأعداء الإسلام الزاعمين: أن مصطلح السنة غير مصطلح الحديث، وأنهما يجب أن يكونا متميزين عن بعضهما.

 

 



(1)     
سبق تخريجه.
(2)     سبق تخريجه.
(3)     صحيح البخاري، كتاب الحج، باب الجمع بين الصلاتين، رقم (1662).
(4)     انظر: الأنوار الكاشفة ص 57.
(5)     انظر: موقف الجماعة الإسلامية من الحديث النبوي ص 68-70 فقد نقل فيه مؤلفه سبعة عشر قولاً من أقوال أهل العلم مما يدل على إطلاق السنة على أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته.
(6)     انظر: دفاع عن السنة ص 291.
(7)     الحديث أخرجه أحمد في مسنده (1/241) بلفظ: (صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود..)
(8)     انظر الحديث في صحيح البخاري، كتاب التهجد، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل، رقم (1129).
(9)     انظر: موقف الجماعة الإسلامية من الحديث النبوي ص 57.
(10)   انظر: دفاع عن السنة ص 291.

 

 

 

 



بحث عن بحث