القاعدة السادسة من القواعد المنهجية في الدعوة: البناء والمعالجة

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد...

ففي هذه الحلقة نبين: القاعدة السادسة: البناء والمعالجة:

مدخل: (فلاح العباد وصلاح البلاد مرتبط بنشاط الدعاة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو قل: بالبناء للخير، والمعالجة لما يطرأ من الشرّ).

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوام الدعوة إلى الله رب العالمين، إذ الدعوة إلى الله تعالى لا تعدو في مجملها أن تكون دعوة إلى التحلي بالمعروف والأمر به بجميع أنواعه، وهو ما يعبر عنه بالبناء، سواء كان لعمل الأفراد أو المؤسسات أو المجتمعات، ومن هنا فإنه يجب على الدعاة إلى الله تعالى أن يولوا هذا الجانب وافرًا له الاهتمام والعناية، كما أن على أهل الدعوة أن يبعدوا عن المنكر وأن يسلكوا سبيل المعالجة له والنهي عنه، لأن غاية الدعوة التمكين لدين الله تعالى في الأرض، ولا يتحقق ذلك في عالم الواقع إلا إذا كانت راية المعروف منصورة وراية المنكر مدحورة.

مفهوم البناء والمعالجة:

المعروف: اسم جامع لكل ما شرعه الله تبارك وتعالى في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ويدخل في ذلك دخولًا أوليًا الواجبات ثم المندوبات، لأن كلا من الواجبات والمندوبات مأمورات شرعية، والله تبارك وتعالى كما أمر بالواجبات أمر بالمندوبات، وعلى هذا فمن أمر غيره بالتوحيد أو الصلاة أو ببر الوالدين أو بالنظافة أو بالمحافظة على السواك كان أمرًا بمعروف، وبذلك يتبين أن الأمر بالمعروف هو مطالبة الغير بفعل المأمور الشرعي واجبًا كان أو مندوبًا.

أما المنكر فهو: اسم جامع لكل ما حذر الله تبارك وتعالى منه وزجر عن اقترابه وارتكابه مما ورد في كتابه أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم سواء أكان ذلك مما يخل بالدين كالشرك، أم بالعقل كالخمر، أم بالعرض كالزنا، أم بالنفس كالقتل، أم بالمال كالسرقة، وغير ذلك من المحرمات التي أنكرها الشرع وأمر بمحاربتها والقضاء عليها، وعلى هذا فالنهي عن المنكر هو مطالبة الغير بالكف عن فعل ما حرمه الشارع لما فيه من تعد لحدود الله تعالى ومخالفة لمنهجه سبحانه.

ومن هذا التعريف الموجز يمكن استخلاص الفرق الجوهري، بين المعروف والمنكر فالمعروف دائر في فلك الفضائل، والأمر به يعني الحث على فعل تلك الفضائل والتحلي بها.

والمنكر دائر في فلك الرذائل، والنهي عنه يعني الحث على ترك تلك الرذائل والتخلي عنها (1)

وعلى هذا المفهوم ندرك ما يلي:

1 – أن الأمر المباشر بشعيرة أو عمل خير صغيرًا في نظر الناظر أو كبيرًا هو من الأمر بالمعروف وهو من البناء المقصود.

2 – كما أن مشروعًا من المشاريع الخيرية علمية كانت، أو إغاثية، أو إعلامية، أو غيرها، وسواء كان القائم عليه فردًا أو مؤسسة أو مجموعة أفراد أو دولة، وسواء كانت فائدته لعدد محدود أو مجموعة أو لأسرة أو لمجتمع أو للعالم، فكل هذا أمر بمعروف وهو من البناء المقصود المنشود.

3 – ويدخل في ذلك أعمال الأفراد الخاصة الجزئية، ككتابة مقالة تدعو إلى فضيلة أو مؤسسات الدولة التي تهتم بالتعليم والتربية أو التوجيه أو الإرشاد، سواء كانت بمسمى الأمر بالمعروف أو بمسيات أخرى، كل ذلك داخل في المفهوم المقصود بالبناء.

كما ندرك أن:

1 – النهي عن أي رذيلة من فرد أو أفراد بنهي مباشر أو غير مباشر، هو نهي عن منكر، وهو من المعالجة المقصودة.

2 – كما أن معالجة أي مشكلة تؤثر على الفضائل أو تنشر الرذائل، أو مكافحة وسيلة محرمة على مستوى الأفراد أو المجتمع أو مؤسسات، كمكافحة التدخين – مثلًا – هو من النهي عن المنكر وهو من المعالجة المقصودة.

3 – ويدخل في ذلك المشاريع الكبرى التي تقوم بها الدولة كمكافحة السرقة، أو الرشوة، أو المخدرات، وكل ما يخل بتماسك المجتمع ووحدته، كل ذلك من النهي عن المنكر وهو من المعالجة المقصودة.

بهذا المفهوم الشامل الذي يجب أن نتعامل مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتقوم المشاريع البنائية، وتحيى طرق المعالجة المطلوبة، هذا هو الفقه المنشود.

وسنبدأ في الحلقة التالية بإذن الله تعالى ببيان: أن مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عامة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 


(1) قواعد أساسية في مسيرة الدعوة الإسلامية: ص: (15- 16).

 



بحث عن بحث