غـــض البصر (4 – 5 )

 

 

7- فمن عقوبات النظر إلى المحرمات:

1- فساد القلب: فالنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته، فهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه.

2- نسيان العلم: فقد نسي أحد العباد القرآن بسبب نظرة إلى غلام نصراني!!

قال أبو الأديان: كنتُ مع أستاذي أبي بكر الزقاق، فمرَّ حدَثٌ، فنظرتُ إليه، فرآني أستاذي وأنا أنظر إليه، فقال: يا بني، لتجدنّ غبّه ولو بعد حين، فبقيتُ عشرين سنة وأنا أُراعي ما أجدُ ذلك الغِبّ، فنمتُ ليلة وأنا متفكّرٌ فيه، فأصبحتُ وقد نسيتُ القرآن كلَه

والإمام أحمد رحمه الله أغمض عينيه عندما رأى رجل نصراني ثم قال: إني لأستحي من الله أن أنظر إلى رجل أعظم على الله الفرية.

3- نزول البلاء: قال عمرو بن مرة: نظرت إلى امرأة فأعجبتني فكف بصري، فأرجو أن يكون ذلك جزائي. ومنها عدم رضا الزوجين بعضهم ببعض...

4- إبطال الطاعات: فعن حذيفة قال: من تأمل خلق امرأة من وراء الثياب فقد أبطل صومه!!  ومنها حرمان قيام الليل، صوم النهار، الصلاة..

5- الغفلة عن الله والدار الآخرة: فإن القلب إذا شغل بالمحرمات أورثه ذلك كسلا عن ذكر الله وملازمة الطاعات.

6- إهدار الشارع عين من تعمد النظر في بيوت الناس متجسسا: فعن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم}:  لو اطلع أحد في بيتك ولم تأذن له، فخذفته بحصاة ففقأت عينه، ما كان عليك جناح {متفق عليه.

8- فوائد غض البصر:

الشيخ ابن قيم الجوزية، وها نحن نذكر نتفاً من تلك الفوائد التي صاغها يراعُه:

1 : تخليص القلب من ألم الحسرة . فإن من أطلق نظره دامت حسرته، فأضر شيء على القلب إرسال البصر فإنه يريه ما يشتد طلبه ولا صبر له عنه ولا وصول له إليه، وذلك غاية ألمه وعذابه.

2 : أنه يورث نوراً و إشراقاً في القلب يظهر في العين و الوجه و الجوارح و إطلاق البصر يورث ظلمة في الوجه و الجوارح .

3 : أنه يورث صحة الفراسة .قال شجاع الكرماني: من عمر ظاهره بإتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وأكل من الحلال لم تخطىء فراسته، وكان شجاع لا تخطىء له فراسة.

والله سبحانه وتعالى يجزى العبد على عمله بما هو من جنسه، فمن غض بصره عن المحارم عوضه الله سبحانه وتعالى إطلاق نور بصيرته، فلما حبس بصره لله أطلق الله نور بصيرته، ومن أطلق بصره في المحارم حبس الله عنه بصيرته.

4 : أنه يفتح له طرق العلم و أبوابه و يسهل عليه أسبابه و ذلك بسبب نور القلب .

5 : أنه يورث القلب ثباتاً و شجاعة فيجعل له سلطان الحجة ولهذا يوجد في المتبع لهواه من ذل القلب وضعفه ومهانة النفس وحقارتها ما جعله الله لمن آثر هواه على رضاه،

قال الحسن: إنهم وإن هملجت بهم البغال وطقطقت بهم البراذين، إن ذل المعصية لفي قلوبهم. أبى الله إلا أن يذل من عصاه.

أيها المؤمنون، إن فهم هذا وإداركه يبين لنا سبباً من أسباب الذل الذي ضرب على هذه الأمة في هذه العصور، لقد أذلتنا المعاصي، وأسرتنا الذنوب، وأوهن قوانا البعد عن الله، فخارت لنا كل قوة، ووهنت لنا كل عزيمة، وأصبحنا أهون الخلق، وانظر في حالنا مع القنوات الفضائية الفضائحية التي تقوم بنشر الرذيلة، وبث الفساد، وقتل الغيرة والحياء وقارنه بما سبق.

6 : أنه يورث القلب سروراً و فرحاً و انشراحاً أعظم من اللذة و السرور الحاصل بالنظر وذلك لقهره عدوه بمخالفته ومخالفة نفسه وهواه.

وأيضاً فإنه لما كفّ لذته وحبس شهوته لله أعاضه الله سبحانه مسرة ولذة أكمل منها كما قال بعضهم: والله للذة العفة أعظم من لذة الذنب.

ولا ريب أن النفس إذا خالفت هواها أعقبها ذلك فرحاً وسروراً ولذة أكمل من لذة موافقة الهوى بما لا نسبة بينهما، وهاهنا يمتاز العقل من الهوى.

ويقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة أول مرة ثم يغض بصره إلا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها". وفي حديث آخر لمسلم: "فمن غض بصره عن محاسن امرأة أورث الله قلبه نوراً".. فلنتذكر هذه الحلاوة الإيمانية من غض البصر

7 : أنه يخلص القلب من أسر الشهوة . ويقول مجاهد – رحمه الله –: غض البصر عن محارم الله يورث حب الله".

8 : أنه يسد عنه باباً من أبواب جهنم . أنه يسد عنه باباً من أبواب جهنم، فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل، وتحريم الرب تعالى وشرعه حجاب مانع من الوصول، فمتى هتك الحجاب وقع في المحظور ولم تقف نفسه منه عند غاية، فإن النفس في هذا الباب لا تقنع بغاية تقف عندها، وذلك أن لذتها في الشيء الجديد، فغض البصر يسد عنه هذا الباب.

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "كل عين باكية يوم القيامة إلا عين غضت عن محارم الله...".

9 : أنه يقوي عقله و يزيده و يثبته.

10 : يخلص القلب من سُكر الشهوة و رقدة الغفلة . وقال أحمد بن حنبل: كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل!!

11 : أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه و معاده .

12 : أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه .

13 : أنه يورث القلب أنساً بالله و جمعه عليه . . ويقول مجاهد – رحمه الله –: غض البصر عن محارم الله يورث حب الله".

14 : أنه يقوي القلب و يفرحه .

15 : أنه يسد على الشيطان مدخله إلى القلب .

16 : أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه و الاشتغال بها.

17 : أن بين العين و القلب منفذاً و طريقاً يوجب انتقال أحدهما إلى الآخر و أن يصلح بصلاحه و يفسد بفساده.

 

 



بحث عن بحث