الآداب عند الخلاف ( 1- 7 )

 

إبقاء حبل المودة والإخاء موصولاً ، فمهما حصل من خلاف فإن الأخوة الإسلامية بينهما لا تزال قائمة ، واستشعار الأخوة مع حصول الخلاف سبيل إلى الصلح وصفاء الأنفس وطيب بعضها على بعض ، فقد قال سبحانه بعد أن ذكر تقاتل الطائفتين المؤمنتين وأمر بالإصلاح بينهما ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون )(1) ، ومن شأن الإخوة مهما اختلفوا بقاء المودة بينهم والتشوّق للصلح والوفاق.

وإلى هذا المعنى أيضاً أرشد النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخواناً )(2) .

وفي حديث آخر يجعل آداء حق التواصل واجباً بينهما وإن كان بينهما خلاف يقول عليه الصلاة والسلام ( ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام )(3).

ومع الخلاف يحث الإسلام على سلامة الصدر ويرتب على ذلك الثواب العظيم وأي شيء أعظم من الجنة ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال :" يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة ". فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه ، قد علق نعليه بيده الشمال ، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى ، فلما كان اليوم الثالث ، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً ، فطلع ذلك الرجل مثل حاله الأولى ، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم ، تبعه عبد الله بن عمرو – أي تبع الرجل – فقال : إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً . فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت ! قال : نعم . قال أنس : فكان عبد الله يحدث أنه بات معه الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئاً ، غير أنه إذا تعار ذكر الله عز وجل حتى ينهض لصلاة الفجر ، قال عبد الله : غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً . فلما مضت الليالي الثلاث وكدت احتقر عمله ، قلت : يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات : " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة "؛ فطلعت الثلاث مرات ، فأردت أن آوي إليك ، فأنظر ما عملك فأقتدي بك ، فلم أرك عملت كبير عمل !! فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ما هو إلا ما رأيت . قال عبد الله : فلما وليت دعاني ، فقال : ما هو إلا ما رأيت ، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه – وفي رواية لا أجد في نفسي غلاً لأحد من المسلمين –فقال عبد الله : هذه التي بلغت بك )(4).

 

بل ويحث الإسلام على الإحسان مهما بلغت الإساءة فهذا القرآن ينزل موجهاً الصديق إلى العفو عمن تكلم في عرض ابنته والإحسان إليه وأي إساءة أشد من الإساءة في العرض قال سبحانه ( ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم )(5).

 

وتأمل شأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مع أعدائه ، حتى قال بعض أصحابه : وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه . قال ابن القيم تلميذه رحمهما الله تعالى :[ ما رأيته يدعو على أحد منهم قط ، وكان يدعو لهم . وجئت يوماً مبشراً له بموت أكبر أعدائه ، وأشدهم عداوة وأذى له ، فنهرني ، وتنكر لي ، واسترجع ، ثم قام من فوره إلى بيت أهله ، فعزاهم ، وقال : إني لكم مكانه ، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه ، ونحو هذا من الكلام . فسروا به ، ودعوا له ، وعظموا هذه الحال منه ، فرحمه الله ورضي عنه ](6).

 

                                           يتبع في الحلقة القادمة

 


(1) سورة الحجرات آية 10 .

(2) أخرجه البخاري ك الأدب باب ما ينهى عنه من التحاسد ح6064 – 10 / 481 مع الفتح .

(3) أخرجه البخاري في الموضع السابق ح6065 .

(4) أخرجه النسائي في السنن الكبرى باب ما يقول إذا انتبه من منامه ح 10699-6/215 ، وأحمد ح 12720-3/166 قال: إسناده صحيح على شرط الشيخين .

(5) سورة النور آية 22 .

(16) مدارج السالكين 2/328-329 .



بحث عن بحث