حديث (يَا رسُولَ اللهِ أرأيتَ إنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ القَدْرِ مَا أَقُولُ فيهَا؟...)

 

 

عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها- قَالَتْ : قُلتُ يَا رسُولَ اللهِ أرأيتَ إنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ القَدْرِ مَا أَقُولُ فيهَا؟، قَالَ : « قُوليْ اللّهُمّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْو فَاعْفُ عَنِّيْ». (1)

غريب الحديث :

العَفْوَ : هو التجاوز عن الذنب والصفح عنه وترك العقاب عليه تفضلاً .

وكل من استحق عقوبةً فتركته فقد عفوت عنه، وقد يكون العفو عن غير استحقاق، بمعنى ترك إيجاب الأمر عليه .

ومن أسماء الله الحسنى: « العَفُوُّ ».

والعافية : دفاع الله تعالى عن العبد، وأن يُسَلِّمه من السَّقم والبلاء والعلل .

والمعافاة : استغناء المرء عن الناس واستغناؤهم عنه وصرف أذاهم عنه وأذاه عنهم، ويطلق العفو على المعروف والفضل وخيار الشيء وأجوده وغير ذلك (2) .

من فوائد الحديث :

1/ تمنيِّ موافقة ليلة القدر وتحرِّيها، والاستعداد لها بالدعاء والاجتهاد في العبادة، لعظم قدرها وفضلها، قال تعالى ((لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)) (3) .

واستحباب الابتهال إلى المولى سبحانه بهذه الدعوات الواردة في الحديث في الليالي المباركة رجاء استجابتها (4).

2/ بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم  حينما أجاب عائشة – رضي الله عنها - بهذه الكلمات التي جمعت توسلاً وصفةً ودعاءً، وأرشدها « إلى الدعاء بأسماء الله الحسنى في تحقيق المحبوب والتوسل إليه بالاسم المقتضى لذلك المطلوب حتى كأنّ الداعي مُتوسِّل إليه مُستشفع به إليه » (5).

3/ أنَّ العَفُوَّ سبحانه يحبُّ صفاتَه، كالعفو والرحمة والجود، وهي صفات كمال وجلالٍ، ولمحبته للعفو خلق خلقه على صفات وهيئات تقتضي توبتهم إليه ودعاءهم عَفْوَهُ ورجاءَهم مغفرته (6) .

4/ الحثُّ على الدعاء بأحب ما سُئل الجواد الرحمن، وخير ما يعطي الكريم المنَّان، وهو العفو والعافية .

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم  ما أفضل الدعاء ؟ قال: « أن تسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فإذا أعطيت ذلك فقد أفلحت» (7)  .

وقال: « لا يسأل الله عبدٌ شيئًا أحبَّ إليه من أن يَسْأل العَافية » (8).

5/ حاجة العبد وافتقاره إلى ما يرجوه من عفو ربّه، وما يستشرفه من محو ذنبه، وستر عيبه، تجعله دائم الدعاء لربه واللجوء إليه، والأمل بواسع رحمته وعظيم عفوه ومغفرته.

ومن زعم غناه عن عفو ربه ورحمته لكمال إيمانه، أو يأسًا بسبب عصيانه، فقد جهل حق الربوبية، ومرتبة العبودية وعطّل طاعةً من أشرف القربات، ولم يَقْدُر الله تعالى حقَّ قَدْرِه (9).

6/ محبةُ اللهِ عزَ وجلَّ لصفةِ العفوِ، وأَمْر عباده به (10)، وحضّهم على فعل أسبابه، لا يمنع وجود أنواع من العفو تعارضه وتخرجُ عنه، ولولا ذلك لكان ينبغي أن يعفو عن كل محرم، فلا يعاقب مشركًا ولا فاجرًا، في الدنيا ولا في الآخرة، ولَوَجب علينا أن نعفو عن كل كافر وفاجر فلا نعاقب أحدًا وهذا خلاف ما أمرنا به، وهو صلاح لنا في الدنيا والآخرة (11) .


(1) رواه النسائي – واللفظ له - (6/219 ح10713) و الترمذيُّ (2013 ح 3513) ، وابن ماجه (2706 ح3850)و أحمد (6/258)، والحاكم (1/530) رجال الإسناد كلهم ثقات، والحديث صحيح .

قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص وقال: حديث صحيح.

(2)  معجم مقاييس اللغة (ص642)، لسان العرب (15/72)، القاموس المحيط (1/1693)، مختار الصحـاح   (ص186)، الفائق (3/8) .

(3) سورة القدر، الآية: 3 .

(4)  ينظر : المغني (4/ 454)، سبل السلام (2/176)، نيل الأوطار (4/321) .

(5) ينظر : بدائع الفوائد (2/372) .

(6)  ينظر : الصواعق المرسلة (4/1459)، شفاء العليل (1/116) .

(7)  رواه هنّاد الكوفي في كتاب الزهد (ص256 ح 446).

(8)  رواه الحاكم – واللفظ له - (1/498) ، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي: فيه عبدالرحمن المليكي: ضعيف, ورواه الترمذي (2013 ح3515) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبدالرحمن بن أبي بكر المُليكي .

 ينظر: الوابل الصيب (1/231) .

(9)  ينظر : مدارج السالكين (2/50)، وشفاء العليل (1/117).

(10)   قال تعالى)) وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )) سورة النور، الآية: 22.

(11)  ينظر : الاستقامة (1/438) .

 



بحث عن بحث