بسم الله الرحمن الرحيم

وقفات تربوية مع حديث: "احفظ الله يحفظك" (3-4)

من قوله صلى الله عليه وسلم: " احفظ الله يحفظك":

قاعدة عظيمة، ووصية نافعة جليلة، يجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم نبراسًا مضيئًا لمن رام شرف حفظ الله، وشرط هذا الحفظ أن تحفظ الله عز وجل.

فكيف يا ترى نربي الطفل على أن يحفظ الله وكيف يحفظه الله؟

قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله- في " جامع العلوم والحكم": (يعني احفظ حدوده وحقوقه, وأوامره، ونواهيه، وحفظ ذلك: هو الوقوف عند أوامره بالامتثال, وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر الله به وأذن فيه إلى ما نهى عنه، فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله الذي مدح الله في كتابه، وقال عز وجل: ((هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ)) [سورة ق: 32-33].

أما حفظ الله لعبده فيدخل فيه نوعان - كما ذكره الحافظ ابن رجب -:

أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله...

والثاني: وهو أشرف النوعين: حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفاه على الإيمان... وفي الجملة فالله عز وجل يحفظ على المؤمن الحافظ لحدوده دينه، ويحول بينه وبين ما يفسد عليه دينه بأنواع من الحفظ، وقد لا يشعر العبد ببعضها وقد يكون كارهًا له.

الوقفة التربوية:

إنه ينبغي للمربي أن يُعنى بهذه الوصية فيعلمها للناشئة اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم فيعلقهم بالله عز وجل، ويبين لهم أهمية حفظ الله للعبد، وأن هذا الشرف وهذه النتيجة إنما تكون لمن حفظ الله، فحافظ على ما أمره الله به من صلاة وصيام وزكاة وغيرها, واجتنب ما نهاه الله عنه من محرمات ومكروهات لا ترضي الله عز وجل.

وتعليق الناشئة بالله عز وجل أصل من أصول التربية الإسلامية، ينبغي الحرص عليه من قِبَل المربي.

التطبيق:

-          وتطبيق هذه القاعدة مع ما سبق يمكن أن يتجلى في هذا المثال: كأن تحتضن الأم ابنها الذي لم يتجاوز العاشرة فتقول له: أي بُنيّ إني أريد أن أخصك بخطاب وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم لطفل صغير في مثل سنك، إنها وصية عظيمة، فهل تريد أن تسمع ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك الطفل؟! ثم تذكر له هذا الحديث، وتلخص معناه بعبارة بسيطة كأن تقول له: يا بُنَيّ إن أنت حفظت الله فصليت الصلاة مع الجماعة وأطعت أمك وأباك ورحمت أخاك الصغير، ولم تسمع الغناء، ولا تنظر إلى ما يغضب الله، وفعلت ما يرضي ربك، حفظك الله في يومك وليلتك.

وهكذا يكون تجسيد الحديث في واقع الطفل، ثم تأمره أن يحفظ الحديث ويكرر هذه الوصية عدة مرات" احفظ الله يحفظك" ويبلغها أصحابه، ثم تذكر له قصصًا واقعيةً في حفظ الله لعباده، وهي كثيرة بحمد الله.

-          وكذلك المعلم عندما يربي أولئك الشباب فيقول لهم: إن أردتم سلامة في هذه الحياة فضعوا نصب عينيكم حديث رسول الله ووصيته العظيمة لطفل صغير لم يبلغ مبلغكم " احفظ الله يحفظك"، طلابي الأعزاء احفظوا الله عز وجل في ذات أنفسكم، حافظوا على الصلاة مع الجماعة، سارعوا إلى مرضا الله، تجنبوا سخطه، فاحفظوا جوارحكم: سمعكم وبصركم وقلوبكم، واحفظوا فروجكم وأيمانكم، واحفظوا أموالكم من الحرام، يكلؤكم الله بحفظه في الحياة والممات، يحفظكم في دينكم من أن تنحرفوا أمام الفتن والشبهات والشهوات، ويتوفاكم على ما يرضاه لكم، وإن أقدمتم على ما يغضب الله فاعلموا أن هذا الحفظ سيخلف عنكم، واعلموا أن الله معكم يحفظكم ما دمتم لحدوده حافظين.

وهكذا يحاكي المعلم شغاف قلوب هؤلاء الشباب بأن يقرع قلوبهم، ويفتح أذهانهم إلى الأمور التي هم ضيعوها، فبالتالي يرجعوا يستشعروا عظمة هذا الحديث.

وسنلتقي بإذن الله في لقاء آخر.



بحث عن بحث