الحلقة (26) : قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام (11)

 

 

 

زيارة إبراهيم عليه السلام لهاجر وابنها وحسن توكل هاجر

 

 

-       روىالفاكهيمن حديثعلي رضي الله عنه بإسناد حسن[1] نحوهوأنإبراهيمكان يزورإسماعيلوأمهعلى البراق

-       وعنعليٍّرضي الله عنه ، قال :  لمّا أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر ، فلمّا قدم مكّة رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامةفيه مثل الرّأس , فكلّمه ، وقال : يا إبراهيم ، ابن على ظلّي , أو على قدري , ولا تزد ولا تنقص ، فلمّا بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر ، فقالت هاجر : يا إبراهيم , إلى من تكلنا ؟ قال : إلى اللّه ، قالت : انطلق , فإنّه لا يضيّعنا ، قال : فعطش إسماعيل عطشا شديدا ، فصعدت هاجر إلى الصّفا , فنظرت فلم تر شيئا ، ثمّ أتت المروة فنظرت , فلم تر شيئا ، ثمّ رجعت إلى الصّفا فنظرت , فلم تر شيئا , حتّى فعلت ذلك سبع مرّاتٍ ، فقالت : يا إسماعيل , مت حيث لا أراك , فأتته وهو يفحص برجله من العطش ، فناداها جبرائيل ، فقال : من أنت ؟ قالت : أنا هاجر ، أمّ ولد إبراهيم ، قال : إلى من وكلكما ؟ قالت : وكلنا إلى اللّه ، قال : وكلكما إلى كافٍ ، قال : ففحص الغلام الأرض بإصبعه ، فنبعت زمزم ، فجعلت تحبس الماء ، فقال : دعيه فإنّها رواءٌ ". [2]

-       وتقدم حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: .... ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها فقالت له آلله الذي أمرك بهذا قال نعم قالت إذن لا يضيعنا [3]

ويستفاد مما سبق

حسن توكل هاجر عليها السلام ورضي الله عنها

قال ابن القيم رحمه الله: "التوكل نصف الدين، والنصف الثاني الإنابة؛ فإن الدين استعانة وعبادة، فالتوكل هو الاستعانة والإنابة هي العبادة" [4]

 

ولابد هنا من لفت الانتباه إلى ثلاثة أمور:
الأمر الأول:أنّ التوكل لا ينافي أخذ الأسباب.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رجل: يا رسول اللّه أعقلها وأتوكّل، أو أطلقها وأتوكّل؟ -لناقته- فقال صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكّل» سنن الترمذي
وثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل اللّه تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : «لا تبشّرهم فيتكلوا» دليل على أنه لابد من بذل الأسباب وعدم الاتكال.
الأمر الثاني:تتخذ الأسباب وإن كانت ضعيفة في نفسها.
ولذلك أمر الله تعالى أيوب عليه السلام أن يضرب الأرض برجله بعد أن دعا لمرضه، وهل ضربة الصحيح للأرض منبعة للماء؟ لا، ولكن الله يريد أن يعلمنا أنه لابد من اتخاذ السبب ولو كان ضعيفاً، فالأمر أمره، والكون كونه، ولكن لابد من فعل الأسباب.
ولما أراد الله أن يطعم مريم وهي في حالة وهن وضعف أمرها أن تهز جذع النخلة؛ لأن السبب يتخذ ولو ضعف.
الأمر الثالث:أن لا يعتمد عليها، وإنما يجعل اعتماده على الله تعالى.
ابذل السبب ولو كان يسيراً، واعلم أنّ الله هو مسبب الأسباب، ولو شاء أن يحول بين السبب وأثره لفعل سبحانه، ولذا لما أُلقي إبراهيم في النار لم يحترق لأن الله قدر ذلك، وإسماعيل عليه السلام لما أمرَّ أبوه السكين على عنقه وهي سبب في إزهاق الروح لم تزهق روحه لأن الله لم يأذن في ذلك.
فلا يعتمد إلا على الله، وتتخذ الأسباب، لأن الله يقدر الأمور بأسبابها.


[1] أخرجه الفاكهي وحسنه ابن حجر في الفتح .كتاب الأنبياء 3184

[2] أخرجه الطبري 2075وحسنه ابن حجر في الفتح .كتاب الأنبياء 3184

[3] صحيح البخاري 3113 .

[4] المدارج (2/118(



بحث عن بحث