الحلقة (11): قصة نوح عليه السلام (3)

استشفاع الناس بنوح عليه السلام يوم القيامة لتخفيف طوله عليهم:

- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال: (... فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدًا شكورًا، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك عزَّ وجلَّ؟

فيقول: ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، نفسي نفسي...)(1)الحديث.

- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجتمع المؤمنون يوم القيامة... فيقول: لست هناكم – ويذكر ذنبه فيستحيي – ائتوا نوحًا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتونه فيقول: لست هناكم – ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم، فيستحي فيقول: ائتوا خليل الرحمن...)(2) الحديث.

حالة نوح عليه السلام مع قومه يوم القيامة:

- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء نوح وأمته، فيقول الله: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب! فيقول لأُمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، ما جاء لنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته،وهو قوله تعالى: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ) والوسط: العدل، فيدعون، فيشهدون له بالبلاغ، ثم أشهد عليكم)(3).

- وفي لفظ أحمد والنسائي عدم تعيين النبي وفيه: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجيء النبي يوم القيامة معه الرجل، ويجيء النبي معه الرجلان، ويجيء النبي معه أكثر من ذلك. فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيدعون، فيقال: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فتدعى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيقال: هل بلغ هذا؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم بذلك، فيقولون: أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الرسل قد بلغوا فصدقناه، فذلك قوله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطًا) [البقرة: 143]قال: عدلًا لتكونوا شهداء على الناس»(4).

جعل النبي صلى الله عليه وسلم قصة نوح عبرة:

أورد الإمام البخاري في صحيحه في كتاب التفسير في تفسير سورة القمر (8/617) ما يلي:

باب (تجري بأعيننا جزاءً لمن كان كفر، ولقد تركناها آية فهل من مدكر). قال قتادة: «أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أوائل هذه الأمة».

ثم قال البخاري:

- حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: (فهل من مُدَّكِر)(5).

ويستفاد مما سبق:

1- خيرية هذه الأمة وفضلها على الأمم.

قال ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لتكونوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) : فمعنى ذلك : وكذلك جعلناكم أمة وسطاً عدولاً شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها , ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيداً عليكم بإيمانكم به , وبما جاءكم به من عندي "(6) انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله " ومن فوائد الآية : فضل هذه الأمة على جميع الأمم ؛ لقوله تعالى : ( وسطاً)

ومنها : عدالة هذه الأمة ؛ لقوله تعالى : ( لتكونواشهداء على الناس ) ؛ والشهيد قوله مقبول .

ومنها : أن هذه الأمة تشهد على الأمم يوم القيامة ؛ لقوله تعالى : ( لتكونوا شهداء على الناس ) ؛ والشهادة تكون في الدنيا ، والآخرة ؛ فإذا حشر الناس ، وسئل الرسل : هل بلغتم ؟ فيقولون : نعم ؛ ثم تسأل الأمم : هل بُلِّغتم ؟ فيقولون : ما جاءنا من بشير ولا نذير ؛ ما جاءنا من أحد ؛ فيقال للرسول : من يشهد لك ؟ فيقول : ( محمد وأمته ) ؛ يُستشهدون يوم القيامة ، ويَشهدون ؛ فيكونون شهداء على الناس .

فإذا قال قائل : كيف تشهد وهي لم تر ؟

نقول : لكنها سمعت عمن خبره أصدق من المعاينة ، صلوات الله وسلامه عليه . (7)

2-  أن في قصة نوح عليه السلام ودعوته وإنجاء الله له في السفينة عظة لكل متذكر متدبر متأمل وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال: أبقى الله السفينة في أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة نظراً، وكم من سفينة بعدها فصارت رمادا (8)

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى : ( وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) : يريد هذه الفعلة عبرة . وقيل : أراد السفينة تركها آية لمن بعد قوم نوح يعتبرون بها فلا يكذبون الرسل. قال قتادة : أبقاها الله بباقردى من أرض الجزيرة ( مكان في بلاد العراق ) عبرة وآية , حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة , وكم من سفينة كانت بعدها فصارت رمادا .

والظاهر أنّ المراد بذلك جنس السفن كقوله تعالى : ( وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) سورة يس ، وقال : ( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)سورة الحاقة ، ولهذا قال هاهنا فهل من مدّكر أي : فهل من يتذكّر ويتعّظ . انتهى (9)فضمير (ها) في (تركناها) يحتمل أن يعود إلى ثلاثة معانٍ:

الأول : أن يكون المراد تركنا هذه القصة عبرة لمن بعدهم.

الثاني : أن يكون المراد تركنا سفينة نوح لتراها الأمم من بعده فيعتبرون ويتعظون بإنجاء الله للمؤمنين وإهلاك الكافرين .

الثالث : أن يكون المراد تركنا جنس السفن في الأرض وعلّمناه للإنسان ليعتبر بنعمة الله عليه وكيف أبقى ذريّة نوح بعد إنجائه والمؤمنين بمثل هذه السفن الموجودة المعروفة .

وعلى كل حال فليس مما يُخالف الشّرع أو العقل أن يتمّ العثور على سفينة نوح وأن تراها أجيال من البشرية بعد نوح لتكون لهم آية وعبرة ولكن القضيّة في كيفية إثبات أن هذه السّفينة التي عُثِر عليها هي سفينة نوح ، فإنّه ليس كلّ من يجد سفينة قديمة ويدّعي أنّها سفينة نوح تُصدّق دعواه والله تعالى أعلم .

___________________

(1) أخرجه البخاري برقم (3340، 3361، 4712) ، ومسلم(194)

(2) أخرجه البخاري برقم (4476، 6565، 4710) ، ومسلم(193)

(3) أخرجه البخاري برقم (3339، 4487، 7349).

(4) أخرجه أحمد (1164) والنسائي في الكبرى (11007) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2448)

(5) أخرجه البخاري، برقم(4869)وأخرجه عبد الرزاق 2/258 به سندا ومتنا.فتح الباري 8/618.

(6) جامع البيان  (2/8)

(7) تفسير سورة البقرة (2/115، 116) باختصار

(8) أخرجه ابن أبي حاتم كما في تغليق التعليق 4/328 ثنا أبي، ثنا هشام بن خالد، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد، به. ولفظه "ألقى" بدل "أبقى".

(9) تفسير ابن كثير(7/442).



بحث عن بحث