حديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ صَوَاحِبِي لَهُنَّ كُنًى...)

 

عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ صَوَاحِبِي لَهُنَّ كُنًى ! قَالَ: « فَاكْتَنِي بِابْنِكِ عَبْدِ اللَّهِ ».

يَعْنِي ابْن اخْتُهَا. قَالَ مُسَدَّدٌ : عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ .

قَالَ: فَكَانَتْ تُكَنَّى بِأُمِّ عَبْدِ اللَّهِ . (1)  

 

غريب الحديث :

كُنىً : جمع كِنْيَة بضم الكاف وكسرها (2)  و الكاف والنون والحرف المعتل يدلُّ على توريةٍ عن اسم بغيره .

والصواب أن يقال: يُكْنَى بأبي عبد الله، ولا يقال: يكنى بعبد الله (3) .

وهي : عَلَمٌ صُدِّرَ بأبٍ أو أم أو ابنٍ أو بنتٍ وأما اللقبُ فهو: ما أشعر بمدحٍ أو ذمٍ، وما عدا ذلك فهو الاسم .

وربما غلبت الكنية على الاسم في الشهرة كأبي طالب وأبي لهب (4).

من فوائد الحديث :

1/ أريحيَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم  وتسليتهُ لزوجتهِ الحبيبة، ومُداواة ما يؤرقها من تبَاريح الغيرة، بتلبية مُرادها، واختيار الكُنية التي تلائمها وتسعد بها فانتقى لها أحبَّ الأسماء «عبدالله »، وأقرب الأبناء إليها «ابن أختها »، ولاطفها بوصفها أمًا له ولم تلد قطّ بقوله: «ابنك ».

فأي كلمةٍ أحنى وأصدقَ وأمضى لشرح صدر الغيرى من هذه الكلمات ؟!!

وأي لطفٍ يغمر المشاعر الجرحى، ويفيض دفئًا وعطفًا .. أرقَّ من هذا اللطف ؟!!

شَرُفتِ .. «بأمِّ المؤمنين » على الورى ..

فهل لكِ شوقٌ للولادةِ .. والضَّنَى ؟!

أبوكِ .. أبو بكر . وزوجكِ مرسلٌ – صلى الله عليه وسلم  -

وكُنِّيتِ أمًا .. للمجاهد .. سيِّدا ..

2 / قال النووي – رحمه الله -: أجمع المسلمون على جواز الكنى، سواء كان للمكنَّى ابن أو بنت فكنّي به، أو بها، أو لم يكن له ولد، أو كان صغيرًا، أو كُنِّي بغير ولده، ويجوز أن يكنّى الرجل أبا فلان وأبا فلانة، وأن تكنى المرأة أم فلانة وأم فلان (5).

3/ الكنية موضوعة لإكرام المدعو بها وإتيان مسرَّته، وتفاؤلاً أن يكون أبا أو أن تكون أمًا ولهما أبناء، ولا يدعى المرء إلا بأحب الكنى إليه  (6)

ويستحب أن يكنّى أهل الفضل من العلماء وغيرهم وهي نوع تفخيم وتوقير وإجلال لَهُم (7) .

والغالب أن من يذكر شخصًا فيعظمه لا يناديه باسمه الخاص به، فإن كان له كنية أُمن من تلقيبه (8) .

4/ يحرم تكنية الإنسان بما يكرهه سواء كان صفةً له أو لأحد أصوله أو غير ذلك، إلا إن تعيَّن للتعريف (9) . قال تعالى: (  يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)  (10) .

قال الطبري – رحمه الله -: نهى الله سبحانه المؤمنين أن يتنابزوا بالألقاب وهو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة (11)

وقال ابن كثير – رحمه الله -: لا تداعوا بالألقاب التي يسوء الشخص سماعها (12) .

وقال القرطبي – رحمه الله -: يستثنى منه ما غلب عليه الاستعمال كالأعرج والأحدب. وقال ابن العربي – رحمه الله -: وقد ورد في كتبهم مالا أرضاه في صالح «جزرة» وفي محمد بن سليمان الحضرمي «مطين » لأنه وقع في طين ونحو ذلك ، ولا أراه سائغًا في الدين .

والذي يضبط هذا كله أنَ كل ما يكرهه الإنسان إذا نودي به فلا يجوز لأجل الأذية (13) .


(1)  رواه أبو داود –واللفظ له- (1587 ح4970) وابن ماجه (2700 ح3739) وأحمد (6/107) بلفظ: «يا رسولَ اللهِ كلُّ نِسَائكَ لَهُنّ كُنَىً غَيْرِي » والطبراني في الكبير (23/ 18 ح34) بلفظ: «كنّانِي النبيُّ صلى الله عليه وسلم  أمَّ عبدالله ولم يكن وُلِدَ لي قَطّ »ورواه الحاكم في المستدرك (4/278) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد فلم يخرجاه .

إسناده صحيح، وصححه ابن حجر، وعزاه إلى أبي داود ، وصحح الحاكم متابعته.تلخيص الحبير (4/148) .

(2) مختار الصحاح (ص242) .

(3) معجم مقاييس اللغة (ص877)، وينظر: النهاية في غريب الحديث (4/207).

(4)  ينظر: مشارق الأنوار (1/431)، التعريفات (ص241)، فتح الباري (/695)، التعاريف (ص611)، فيض القدير (3/193) .

(5) ينظر: المنهاج (14/341)، بدائع الفوائد (4/932)، شرح سنن ابن ماجه (ص265) .

(6)  شرح ابن بطال (9/351، 352) .

(7)  فيض القدير (1/90) .

(8)  فتح الباري (10/712) .

(9)  فيض القدير (1/90) .

(10)  سورة الحجرات، من الآية: 11 .

(11)  تفسير الطبري (26/ 133) .

(12)  تفسير ابن كثير (4/213) .

(13)  تفسير القرطبي (16/329) .

      



بحث عن بحث