التربية الإيمانية(6)
الثمرة الثالثة : الزهد في الدنيا
من تعريفات الزهد : « انصراف الرغبة في الشيء مع وجوده » ، ومثال ذلك : الطفل الذي يسعد سعادة غامرة حين يلعب بالدُمى ، ويحرص على اقتنائها ، ويحلم بشراء الجديد منها ، ولكن عندما يكبر هذا الطفل بضع سنين تجد حرصه وشغفه وفرحه بهذا اللعب يقل ويقل إلى أن يزول وتنصرف رغبته عنها فيصير زاهدًا فيها ولا يبالى بوجودها إذا ما وُجدت ، ولا يحزن على ضياعها إذا ما فُقدت .
وحال الناس مع الدنيا – بدون الإيمان – كحال الأطفال مع لِعَبهم ، ولكي يزهدوا فيها لابد من نمو الإيمان في قلوبهم.
فعندما يقوى الإيمان في القلب يقل تعلق صاحبه بالدنيا ، ورغبته فيها ، وحرصه عليها .
نعم ، هو لن يتركها ببدنه بل يتركها بقلبه ، فالزهد حالة شعورية يعيشها المرء كانعكاس لنمو الإيمان الحقيقي في قلبه ، وهو لا يستلزم الفقر ، ولا يتنافي مع الغنى.
الزاهد في الدنيا لا ينشغل بها كثيرًا إذا ما وُجدت بين يديه ، فعلى سبيل المثال : قد يتوفر لديه العديد من الملابس فإذا ما أراد الخروج من منزله فإنه لا يقف أمامها طويلًا إنما يرتدي ما امتدت إليه يده ، وهو حين يفعل ذلك يفعله بتلقائية تعكس حالة قلبه الإيمانية .
وكلما قوى الإيمان أكثر وأكثر ازداد تعلق صاحبه بالآخرة ورغبته فيها ، وازداد زهده في الدنيا بصورة أشد وأشد لدرجة أنه لا يترك لنفسه إلا أقل القليل منها وبما يُحقق له ضروريات الحياة ، وليس هذا بسبب معارضته لمبدأ التمتع بمباحات الدنيا ، ولكن لأن إيمانه يأبى عليه ذلك ويدفعه لاستثمار كل ما يأتيه في حياته لداره الآخرة متمثلًا قول الله تعالى : ( وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ )[القصص/77] ، لذلك فهو يحتاج دومًا إلى من يذكره بقوله تعالى :( وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) [القصص/77] .
وكيف لا ، وإيمانه يأبى عليه أن يتوسع في هذا النصيب .