(السقط (2ـ2))

  الاستدلال :

استدل الدكتور/ محمد علي البار، في كتابه (خلق الإنسان....)(1) بالحديثين واستدل الدكتور/ مأمون شقفة ، في كتابه (القرار المكين)(2)، والدكتور/ حامد أحمد ، في كتابه (رحلة الإيمان...) (3) كلاهما بالحديث الأول فقط .

ووجه الدلالة: أن الحديث يبين أنه يحصل السقط مبكراً جداً، قبل التخلق، وهذا ما كشفه الطب الحديث ، من أن السقط التلقائي يقع قبل التخلق .

 

قال الدكتور/ البار: "تقول مجلة (MEDICNE DIGEST) في عدد يناير 1981م : إن السقط التلقائي (SPONTANEOUS ABORTION) يشكل (78 بالمائة) من مجموع حالات الحمل بأكملها ، وأن ما يقرب من خمسين بالمائة من حالات الحمل ، تجهض قبل أن تعلم الأم بأنها حامل ، وذلك لأن الرحم يقذف البويضة بعد تلقيحها وبعد انغرازها مباشرة...، وفي بعض الأحيان لا يتم الانغراز (العلوق) أصلاً ، وبما أن العلوق يحدث بعد التلقيح بأسبوع فقط ، فإن الرحم قد يقذف هذه العلقة بعد انغرازها فيه مباشرة ، ويكون ذلك في موعد الحيضة ، فلا تفطن المرأة إلى أنها قد حملت أصلاً ، وقد تتأخر حيضتها بضعة أيام ، ثم تأتي العادة الشهرية (الطمث) ، فتظن المرأة أن حيضتها قد تأخرت لأيام فقط ، ولا تفطن إلى وجود الحمل .

ولذا فإن الحديث الشريف يذكر أن السقط التلقائي ، يحصل قبل التخليق ، كما في الحديث الأول ، الذي رواه عبدالله بن مسعود ، وقد يحدث بعد التخليق ، كما في الحديث الثاني ، الذي رواه عبدالله بن عمرو بن العاص .

ونحن نعلم الآن أن أغلب حالات الإجهاض (السقط) التلقائي ، تقع قبل التخليق ، وهو المرحلة التي تعرف في علم الأجنة باسم: تكوين الأعضاء (ORGANO GENESIS) ، وتبدأ من الأسبوع الرابع منذ التلقيح ، وتنتهي في الأسبوع الثامن .

« إذا وقعت النطفة في الرحم ، بعث الله ملكاً فقال: يا رب مخلقة أم غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلقة ؛ مجتها الرحم دماً ».

وهكذا أوضح لنا المصطفى صلوات الله عليه ، أن معظم حالات السقط تحدث قبل فترة التخليق الحرجة (ORGANO GENESIS)، وهذا أمر لم يكتشف إلا حديثاً جداً ، ولم يعرف أنه يحدث بهذه الكثرة ، بحيث أنه يشتمل ما يقرب خمسين بالمائة من جميع حالات الحمل، إلا في بداية الثمانينات من القرن العشرين .

أو ليس هذا الذي ذكره المصطفى - صلوات الله وسلامه عليه- ، إعجاز كامل ، لم نفطن إليه من قبل ، وكم من أسرار في أحاديث المصطفى ، تمضي دون أن ندرك كنهها ومغزاها ، حتى يكشف الله بعضاً من هذه الأسرار، فتبدو هذه الأحاديث النبوية متألقة كالشمس في علاها "(4).

وأما الدكتور/ مأمون شقفة ، فيفهم من كلامه أن الحديث ينطبق على ما كشفه علم الطب ؛ من أن مصير الجنين يتحدد عندما يلقح الحيوان المنوي البويضة ؛ فتنتج النطفة الأمشاج ، المحتوية على الصيغة الكروموسمية للجنين ، وكثير من هذه الصيغ الكروموسومية ، لا تحمل إمكانية التطور في الخلق ، ويكون مصير هذا الجنين الإجهاض.

   وإليك نص كلامه:

قال: " فحال التقاء النطفتين المذكرة والمؤنثة ، واندماجهما في النطفة الأمشاج ، تتحد الصيغة الكروموزومية للكائن الجديد نهائياً ، وحسب الصيغة هذه يتقرر نهائياً ، ما إذا كان هذا المشج سيؤدي إلى خلق نفس جديدة أم لا ؛ ذلك أن كثيراً من الصيغ الكروموزومية ، لا تحمل إمكانية التطور، فإذا كانت الكروموزومات (مئوفة)(5)، أو متعطلة ، أو التقت بصيغ غير سليمة ، فإن الحمل سيتوقف في بعض الأطوار، وينتهي الأمر بالإجهاض في مرحلة ما، من مراحل الحمل .

والإجهاض هذا قد يكون في أول الحمل ؛ فتفشل النطفة في دخول طور العلقة أصلاً ، أو تفشل في أوائل هذا الطور؛ ويؤدي ذلك إلى تلاشي الحميل ، وارتشافه ، ويبقى محصول الحمل على شكل كيس من السائل الأمنيوسي ، تحيط به زغابات كوربونية ، ولا يحتوي على جنين ، وهذا ما يطلق عليه الأطباء اسم: البيضة الرائقة (BLIGHTED OVUM)، أو اسم: الحمل دون جنين (UNEMBRYONIC) (PREGNANCY)، والرحم عادة يتخلص من هذا الحمل ، وذلك بالتوقف عن تغذيته ، لغياب الدوران الجنيني ، ثم يطرحه محاطاً بالدم الذي يرافق عملية الإجهاض هذه ، وهي تحصل عادة بين الأسبوع الثامن ، والعاشر، اعتباراً من أول يوم من آخر طمث ، أي في سياق طور العلقة ، وبكلمة أخرى: إذا فشلت النطفة في دخول طور العلقة ، فإن التطورات الحملية تتراجع وتتوقف ، ثم يقوم الرحم بطرح محتواه .

لا بل إن كثيراً من الإجهاضات ما يحصل قبل هذا التاريخ ، وكثير منها أيضاً يحصل باكراً جداً دون أن تلاحظه المرأة ، ولا يعبر عنه إلا باختلاف طفيف في موعد الحيض .

هذا النوع من الإجهاضات ، أعني البيضة الرائقة ، والإجهاضات الباكرة هي ما عبر عنها حديث الرسول الكريم "(6). اهـ.

 


(1) - خلق الإنسان بين الطب والقرآن ص (112، 406، 407، 431، 432).

(2) - القرار المكين ص (171، 173، 174).

(3) - رحلة الإيمان في جسم الإنسان ص (84).

(4) - خلق الإنسان بين الطب والقرآن ص (406، 407).

(5) - هكذا رسمها، والصواب هكذا (مؤوفة)، والمعنى: أصابتها آفة: أي عاهة، كما في لسان العرب (1/171).

(6) - القرار المكين ص (172، 173).

 

 



بحث عن بحث