المعتزلة وموقفهم من السنة النبوية(8-8)

 

 

والخلاصة:

أن أصول المعتزلة علي اختلافها كان لها أسوء الأثر علي الإسلام ورواته حيث وقف المعتزلة بأصولهم من الوحي قرأناً وسنة، ومن الصحابة موقف التحدي، فإذا بدا خلاف في ظاهر النصوص وبين أصولهم أو رأي لا يرونه أولوا النص بما يخرج عن معناه الحقيقي إلي ما يوافق رأيهم(1)

وعن خطورة تأويلهم آيات القرآن الكريم بما يوافق أصولهم يقول الإمام الأشعري:" إن كثيراً من الزائغين عن الحق من المعتزلة، وأهل القدر، مالت بهم أهواؤهم إلي تقليد رؤسائهم، ومن مضي من أسلافهم، فتأولوا القرآن علي آرائهم تأويلاً لم ينزل به الله سلطاناً، ولا يصح به برهاناً، ولا نقلوه عن رسول رب العالمين، ولا عن السلف المتقدمين"(2)  .

ويقول فضيلة الدكتور أبو شهبة - رحمه الله - : "المعتزلة من أعظم الناس كلاماً وجدالاً، وقد صنفوا تفاسيرهم علي أصول مذهبهم، مثل تفسير عبد الرحمن بن كيسان الأصم، شيخ إسماعيل بن عليه، الذي كان يناظر الشافعي، ومثل كتاب أبي علي الجبائي، والتفسير الكبير للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني والكشاف لأبي القاسم الزمخشري . والمقصود : أن مثل هؤلاء اعتقدوا رأياً، ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين في رأيهم، ولا في تفسيرهم، وما من تفسير من تفاسيرهم الباطلة إلا وبطلانه يظهر من وجوه كثيرة، وذلك من جهتين : تارة من العلم بفساد قولهم، وتارةً من العلم بفساد ما فسروا به القرآن ...، ومن هؤلاء من يكون حسن العبارة فصيحاً، ويدس السم في كلامه، وأكثر الناس لا يعلمون، كصاحب الكشاف ونحوه، حتى أنه يروج علي خلق كثير من أهل السلف، كثير من تفاسيرهم الباطلة"(3) أ.هـ. .

ولا يقف خطر أصولهم عند تأويلهم القرآن الكريم مما لم ينزل به الله سلطاناً، وإنما كان لهذه الأصول خطرها الأعظم علي السنة المطهرة، فما تعارض من الأحاديث الصحيحة مع هذه الأصول، إما يؤولونه تأويلاً يشبه الرد، وإما يصرحون بالرد بحجة أن الخبر آحاد، والآحاد لا يحتج بها في العقائد(4) ، وهم في كل ذلك يتطاولون علي رواة السنة ويطعنون فيهم سواء من صحابة رسول الله رضي الله عنهم أو من التابعين، فمن بعدهم من أئمة المسلمين .

وفي مواقف المعتزلة من الكتاب والسنة والصحابة، وجد أعداء الإسلام وأعداء السنة المطهرة، ثغرات يلجون منها في الكيد لدين الله عزَّ وجلَّ - قرآناً وسنة - بما وجدوه من ثروة طائلة من السخافات والمثالب، فصوروا الإسلام في صورة الخرافات، وطعنوا بدورهم في أئمة المسلمين وتاريخهم وحضارتهم المجيدة، وقد اغتر بهم الجهلة في عصرنا الحاضر ونسجوا علي منوال أساتذتهم، ورموا علماء المسلمين في كل عصر بكل نقيصة وبهتان، والله يشهد إنهم لكاذبون(5) .

فالمستشرقون، ودعاة التغريب، واللادينية، وهم يهاجمون السنة اليوم، ويثيرون حولها الشبهات اهتموا بالاعتزال والمعتزلة، لأنهم وجدوا فيهم منهجاً له أثره في إفساد الفكر الإسلامي علي العموم، وإبطال حجية السنة وتعطيلها علي الخصوص، ويبدوا هذا واضحاً في إحيائهم للفكر الاعتزالي والثناء عليه، ووصفهم للمعتزلة بأنهم أغارقة الإسلام الحقيقيون، أو وصفهم بالمعتزلة العظام، أو المفكرون الأحرار في الإسلام(6)  .

يقول الدكتور أحمد أمين :" وفي رأيي أن من أكبر مصائب المسلمين موت المعتزلة، وعلى أنفسهم جنوا"(7) .

ومن هنا ندرك خطورة تأثر بعض علماء المسلمين الأجلاء من رواد المدرسة العقلية الحديثة بالفكر الاعتزالي ومنهجه في تعامله مع النصوص قرآناً وسنة(8) .

واستغل ذلك التأثر بعض أعداء الإسلام، وأعداء السنة المطهرة، في دعوتهم الباطلة، وصبغها صبغة شرعية وذلك بالاستشهاد بأقوال رواد تلك المدرسة، والزعم بأن منهجهم العقلي المعتزلي، هو المنهج الحق، وربما ادعوا بأنه منهج سلفنا الصالح(9) . 


(1)  - انظر : موقف المعتزلة من السنة ومواطن انحرافهم عنها للدكتور أبو لبابة ص 43، 73، 97، والخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية للدكتور محمد عمارة ص 212-215

(2)  - الإبانة للأشعري ص 14.

(3)  - الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير، ص 114، 115.

(4)  - سيأتي بالبرهان الواضح أن القضية مع المعتزلة في العقائد ليست قضية متواتر وآحاد، وإنما قضية أصولهم فهي الأصل، والقرآن والسنة الفرع، بدليل تأويلهم لآيات القرآن المتواترة في أحاديث العقائد لتعارضها مع أصولهم، ولو صدقوا في دعواهم بأن الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد، فلماذا يؤولون تأويلاً أشبه بالرد، الآيات المتواترة في العقائد؟ انظر : موقف المعتزلة من السنة ومواطن انحرافهم عنها للدكتور أبو لبابة حسين ص 97، 98.

(5)  - انظر:الحديث والمحدثون للدكتور محمد أبو زهو ص 332 بتصرف، والسنة ومكانتها في التشريع ص142، والضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين للدكتور أحمد محرم الشيخ1 /189-196.

(6)  - انظر : العقيدة والشريعة لجولدتسيهر ص 100 - 102، 118 - 120، وانظر : تراث الإسلام لجوزيف شاخت ص 203، 218، ودراسات في حضارة الإسلام لهاملتون جب ص 268 - 269، 274، ودائرة المعارف الإسلامية ص 576، 580، 584.

(7)  - ضحي الإسلام 3 /207.

(8)  - انظر : المدرسة العقلية وموقفها من التفسير للدكتور / فهد الرومي ، والمدرسة العقلية وموقفها من السنة النبوية للصادق أمين.

(9)  - انظر : أضواء علي السنة محمود أبو رية ص377 وما بعدها، والأضواء القرآنية السيد صالح أبو بكر 1 /16، 36، وتبصير الأمة بحقيقة السنة إسماعيل منصور ص 656، ومجلة روزاليوسف العدد 3586 ص 38 -40، والعدد 3559 ص 48-50، مقالات لأحمد صبحي منصور . وانظر هذا المبحث في السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام ( 1 / 103 ــ 124 ).

 

 



بحث عن بحث