المعتزلة وموقفهم من السنة النبوية(2- 8)

 

 

أصول المعتزلة وأثرها على السنة المطهرة:

وإذا كانت المعتزلة قد تفرقت إلى فرق كثيرة تصل إلى اثنتين وعشرين فرقة واختلفوا في المبادئ والتعاليم إلى حد تكفير كل فرقة الأخرى، إلا أنه يجمعهم إطار عام، وهو الاعتقاد بالأصول الخمسة :

1- التوحيد على طريقة الجهمية .

2- العدل على طريقة القدرية .

3- الوعد، والوعيد.

4ـ المنزلة بين المنزلتين.

5ـ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على طريقة الخوارج (1) .

ولقد حددها على هذا النحو صاحب الانتصار عندما قال : "وليس يستحق أحد منهم اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة : التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإذا كملت في الإنسان هذه الخصال الخمس؛ فهو معتزلي(2) .

ومعنى هذه الأصول إجمالاً :

1ــ التوحيد : وهم يقصدون به البحث حول صفات الله تعالى، وما يجب له، وما يجوز، وما يستحيل، وفي هذا الأصل نفوا أن يكون لله تعالى صفات أزلية من علم، وقدرة، وحياة، وسمع، وبصر، بل، الله عالم، وقادر، وحى، وسميع، وبصير بذاته، وليست هناك صفات زائدة مع ذاته، وتأولوا الآيات التي تثبت هذه الصفات، والتي يفهم منها أن له صفات كصفات المخلوقين، ورفضوا الأحاديث التي تثبت هذه الصفات أيضاً، وحجتهم في إنكار صفات الله عزَّ وجلَّ أن إثباتها يستلزم تعدد القدماء وهو شرك على حد زعمهم ، ولأن إثبات الصفات يوحى بجعل كل صفة إلهاً، والمخرج من ذلك هو نفي الصفات وإرجاعها إلى ذات الباري تعالى، فيقال عالم بذاته، قادر بذاته إلخ، وبذلك يتحقق التوحيد في نظرهم، والمعتزلة في نفيهم الصفات وتعطيلها وتأويل ما لا يتوافق مع مذهبهم من نصوص الكتاب والسنة وافقوا بذلك الجهمية (المعطلة) ... فهم الذين أحيوا آرائهم، ونفخوا في رمادها، وصيروها جمراً من جديد، ومن هنا استحق المعتزلة أن يطلق عليهم جهمية أو معطلة(3)، وبناء على هذا الأصل أطلق المعتزلة على من عاداهم وخصوصاً أهل السنة أسماء جائرة مثل المشبهة، والحشوية ، وسموا أنفسهم أهل التوحيد، والمنزهون لله، حيث نفوا الصفات عنه(4) .

 

2 ــ العدل : وهم يقصدون به البحث في أفعال الله عزَّ وجلَّ التي يصفونها كلها بالحسن، ونفي القبح عنها، بما فيه نفي أعمال العباد القبيحة، وتحت ستار العدل؛ نفوا القدر، وأسندوا أفعال العباد إلى قدرتهم وأنهم الخالقون لها مع أنهم يؤمنون بأن الله تعالى عالم بكل ما يعمله العباد، وأنه تعالى هو الذي أعطاهم القدرة على الفعل أو الترك(5) .

والمعتزلة لنفيهم القدر يلقبون؛ بالقدرية لموافقتهم للقدرية في إنكار القدر، وهم يسمون أيضاً؛ بالثنوية، والمجوسية؛ لقولهم إن الخير من الله، والشر من العبد، فوافقوا بذلك الثنوية، والمجوسية الذين يقررون وجود إلهين أحدهما للخير، والآخر للشر، وهم لا يرضون بهذه الأسماء السابقة من القدرية، والثنوية، والمجوسية، ويرضون باسم أهل العدل لنفيهم القدر، ولأن أهل السنة يثبتون القدر لله عزَّ وجلَّ ويؤمنون به خيره وشره، حلوه ومره، فهم يطلقون عليهم القدرية المجبرة(6).

وبناء على هذا الأصل (العدل) الذي يعنى نفي القدر؛ تأولوا الآيات التي تفيد إثبات القدر لله عزَّ وجلَّ كقوله تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) [ سورة الرعد / 8 ] . وقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [سورة الحجر /21 ] . وقوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [ سورة القمر / 49 ]  .

ووقفوا من أحاديث القدر موقف الإنكار؛ فردوا الأحاديث الصحيحة التي تثبت القدر


(1)- انظر : الفرق بين الفرق ص112 - 115، وفرق معاصرة 2 /822.

(2) - الانتصار ص 188، 189.

(3)  - فرق معاصرة2/823،824،832، وانظر: فتح البارD 13 /357، وانظر: شرح الأصول ص197، وفضل الاعتزال ص140-141، وأدب المعتزلة ص135،136، ومقالات الإسلاميين 1 /235، والملل والنحل1/40، وموقف المعتزلة من السنة ومواطن انحرافهم عنها للدكتور أبو لبابة ص33

(4)  -فرق معاصرة 2 /825.

(5) - فرق معاصرة 2 /834، وانظر : شرح الأصول ص 301، والملل والنحل 1 /41، والفصل في الملل والنحل لابن حزم 3 /164 والمغنى في أبواب التوحيد والعدل 3 /8.

 

(6)  - فرق معاصرة 2 /824، 825، وانظر : موقف المعتزلة من السنة للدكتور أبو لبابة ص 31.

 

 

 

 



بحث عن بحث