الحلقة ( 96 ): شبهة عرض السنة على العقل والرد عليها(4)

 

بقية الجواب عن الحديث:

ويشهد لبطلان الحديث ما فيه من إباحة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.:" قلته أو لم أقله فصدقوا به". وفي لفظ: "ما بلغكم عنى من قول حسن لم أقله فأنا قلته".

قال ابن حزم:" وهذا هو نسبة الكذب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.؛ لأنه حكى عنه أنه قال: " لم أقله فأنا قلته" فكيف ما لم يقله أيستجيز هذا إلا كذاب زنديق كافر أحمق(1)؟.

وعلى فرض صحة الحديث، فلا دلالة فيه على عدم حجية السنة النبوية، فكل ما يدل عليه أنه من أدلة صدق الحديث أن يكون وفق ما جاءت به الشريعة من المحاسن، فإن جاء على غير ذلك كان دليلاً على كذبه، ونحن نقول بذلك على ما هو مقرر عند المحدثين من علامات وضع الحديث، تكذيب الحس له  .

ويقول الحكيم الترمذي في تأويل الحديث: " قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا حدثتم عنى بحديث تعرفونه، ولا تنكرونه" فنقول من تكلم بعد الرسول صلى الله عليه وسلم. بشيء من الحق، وعلى سبيل الهدي؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم سابق إلى ذلك القول وإن لم يكن قد تكلم بذلك اللفظ الذي أتى به من بعده، فقد أتى الرسول صلى الله عليه وسلم بأصله مجملاً كما ثبت في صحيح السنة من حديث ابن مسعور صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: " ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به، ولا عمل يقرب إلى النار إلا قد نهيتكم عنه" (2) .

فلذلك قال: " فصدقوا به قلته أو لم أقله"، أي إن لم أقله بذلك اللفظ الذي يحدث به عنى فقد قلته بالأصل والأصل مؤد عن الفرع، فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم. بالأصل، ثم تكلم أصحابه والتابعون رضوان الله عليهم أجمعين من بعده بالفروع، فإذا كان الكلام معروفًا عن المحققين غير منكر؛ فهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم - قاله أو لم يقله، يجب علينا تصديقه - وخاصة إذا لم يكن مما يقال من قبل الرأي ولم يرفعوه؛ لأن الأصل قد قاله الرسول صلى الله عليه وسلم. وأعطاه لنا، وإنما قال ذلك لأصحابه الذين عرفهم بالحق، فإنما يعرف الحق المحق بهم، وهم أولوا الألباب والبصائر رضوان الله عليهم أجمعين(3).

فهذا قول أهل العلم في حديث: "إذا حدثتم عني بحديث تعرفونه ولا تنكرونه ... إلخ" وشواهده وتبين لنا أنه لا حجة فيه لأعداء السنة وفي منهجهم بعرض السنة على العقل حيث الحكم عليها بالقبول أو الرفض.


(1) أخرجه ابن حزم في الإحكام 2/ 213 بسند فيه اشعث بن بزار، وقال فيه: كذاب ساقط لا يؤخذ حديثه، وبسند آخر فيه الحارث والعرزمي وعبد الله بن سعيد، وضعف الأولين وقال في الثالث كذاب مشهور. وانظر: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة ص 39، 40.

(2)أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب البيوع 2/ 5 رقم 2136، وسكت عنه هو والذهبي، وأخرجه من حديث جابر، وصححه على شرط الشيخين وأقره الذهبي، ومن وجه آخر عن جابر وصححه الذهبي على شرط مسلم.

(3)نوادر الأصول 1 / 360 ، 361 .



بحث عن بحث