السنة المستقلة بالتشريع وآراء العلماء فيها(23)
أمثلة للسنة المستقلة وملاحظة رأي الفريقين فيها :
وتوضيحا لهذه النتيجة أسوق هذه الأمثلة من الأحكام التي استقلت السنة بتشريعها مبينا ملاحظ الفريقين فيها .
المثال الأول : زكاة الفطر .
أمر الله تعالى في القرآن الكريم بالزكاة فقال تعالى :(وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ)[ سورة البقرة / 43 ].
ونص على بعض أنواعها وحدد زمن إخراجه ، فقال :( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ..)[ سورة الأنعام / 141 ].
غير أنه لم ينص على زكاة الفطر ، وإنما ثبتت زكاة الفطر بالسنة . فعن ابن عمر رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعا(1)من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين(2) .
وقد أجمع أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض ، لكنهم اختلفوا في مخرجها وثبوتها :
فقال جمهور العلماء : إن زكاة الفطر ثابتة بالسنة زيادة على نص الكتاب الكريم ، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة الاتباع بأمر الله في كتابه الكريم بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة ، فلا ننظر بعد ذلك في شيء بعد ثبوتها عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقال الفريق الآخر : إنها متفرعة عن الكتاب الكريم ، وهم يأخذون من الحديث دليل تفريعها من الكتاب الكريم ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفرضها إلا على المسلمين ، وهي بذلك موافقة لكتاب الله عز وجل ، فإنه جعل الزكاة طهرة ، والطهرة تكون للمسلمين ، قال تعالى:( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا)[ سورة التوبة / 103].
(1)الصاع مكيال لأهل المدينة يسع أربعة أمداد ، وهو يساوي عند الحنفية ( 3,25 كيلو جرام ) وعند الجمهور ( 2,04 كيلو جرام)
(2) أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين ( 1504) ومسلم ، كتاب الزكاة ، باب زكاة الفطر على المسلمين ( 984 ).