خطوات في طريق التصحيح (2-4)

5-أن يجاهد العبد نفسه ولا يتبع هواها: والنفس أمارة بالسوء إلا من رحم الله، فالحذر الحذر من حيل النفس، وحيل الشيطان، والنفس والشيطان لا يقولان لك: افعل هذه المعصية ارتكب هذا الحرام. وإنما يزينان المعصية والأمور المحرمة، يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ(1) ، وعلى المرء إن أراد النجاة ألا يتساهل مع نفسه، بل يجاهدها ولا يتركها تميل إلى الدعة، والرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي قدر غفر الله ذنبه ما تقدم منه وما تأخر كان يقوم الليل حتى تفطرت قدماه، وعندما قيل له في ذلك، قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً»(2)؟.

6- أن يختار العبد لنفسه صحبة صالحة: فالصحبة الصالحة لها أثر بالغ في النفوس، فمصاحبة المؤمن تزيد من الإيمان والتقوى، والفاسق والكافر لا يُجنى من صحبته إلا الفسق والفجور والكفر - والعياذ بالله- «والمرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل»، و ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ(3) ، والخلوة والعزلة أفضل بكثير من الصحبة السيئة، وانظر إلى يوسف عليه السلام عندما قال: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ(4) .

7- لا تصر على الذنوب ولو كانت من الصغائر، ولا تترك الفضائل ولو كانت من قبيل السنن والمستحبات، فالوصول إلى الكبيرة لا يكون فجأة إنما هو خطوة خطوة، ولا يستهين المرء بصغيرة إلا ويتبعها بأخرى، ويصر عليها- والإصرار على الصغيرة كبيرة- حتى يصل إلى ارتكاب الكبيرة.

خل الذنوب صغيرها *** وكبيرها ذاك التقى

واصنع كماش فوق أر *** ض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة *** إن الجبال من الحصى            

والفضائل كذلك لا تدرك إلا بالاستقامة على كل أعمال الخير، وكل حسنة تعملها لابد أن تجرّك إلى حسنة أخرى، «لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق». فلا تترك الفرصة تفوتك، فساعات هذه الحياة قليلة، والأجل قريب؛ فاغتنم حياتك وصحتك وغناك وشبابك وفراغك!!

وإذا بدأت بعمل صالح فالتزم به، ولو كان هذا العمل قليلاً، والقليل مع القليل كثير، ولا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل، واعلم «أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل»، ولذا جاء في الحديث عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتاً في الجنة: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر«(5)

وهذا كان منهج الصحابة ؛ إذا بدءوا عملاً صالحاً لا يتركونه حتى في أصعب الأحوال، وأشد الظروف، واستمع إلى قصة علي ا، فعنه ا: أن فاطمة ل أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً فقال: «ألا أخبرك بما هو خير لك منه؟ تُسَبِّحين الله عند منامك ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين، وتُكَبِّرين الله أربعاً وثلاثين» ثم قال سفيان: «إحداهن أربع وثلاثون»، قال علي ا: «فما تركتها بعد، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين(6)». مثل هؤلاء الذين يثبتهم الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا بالعمل الصالح، وفي الآخرة بالإجابات الموفقة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [محمد:25]

(2) [الزخرف:67]

(3) [يوسف:33]

(4) رواه البخاري في التفسير، باب قوله: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [الفتح:2]، (4836)، ومسلم في صفات المنافقين، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة (2819).

(5) رواه الترمذي في الصلاة، باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة (414)، والنسائي في (قيام الليل وتطوع النهار)، باب ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة (1794، 1975)، وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في ثنتي عثرة ركعة من السنة (114).

(6) رواه البخاري في النفقات، باب خادم المرأة (5362)، ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التسبيح أول النهار وعند النوم (2727).



بحث عن بحث