الوقفة السابعة: (لَوْ) تفتح عمل الشيطان

إن الشيطان حريص على إغواء بني آدم بأساليب شتى، ووسائل مختلفة، منذ أن خلق الله تعالى آدم وأولاده، والشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم؛ {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}(1)، فلا يترك فرصة في إغواء بني آدم إلا اغتنمها، وسارع إليها، وقد أقسم بالله أنه يدخل بني آدم جهنم أجمعين، فقال: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}(2). وللشيطان مداخل على بني الدم، وأحرص ما يكون الشيطان أن يبتليهم بالشرك والكفر والإلحاد والنفاق والأعمال التي تخلدهم في النار، فإن عجز عنهم حاول أن يبتليهم بالكبائر، ويجعلهم يسوّفون التوبة والرجوع؛ لكي يدخلوا النار ولو لمدة معلومة، وإن عجز عن ذلك يبتليهم بالرياء والاستمرار على الصغائر حتى تصير كبائر، أو يفتح أبوابًا لو دخلها الإنسان وصل إلى ارتكاب المعاصي والذنوب، ومن ذلك قول العبد: لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا. يعني: أن الشيطان مستمر في إغواء بني الدم بكل أسلوب يمكنه؛ إن لم يستطع إغواءه بالكفر والشرك بذل كل الجهد في أن يوقعهم في أكبر الكبائر بعد الكفر والشرك، ثم الأصغر فالأصغر، وإن لم ينجح في ذلك بذل الجهد في أن يصده عن الطاعات، أو يجعله يكتفي بالفرائض دون السنن والرواتب.

وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من كيد الشيطان ومكره، ففي حديث جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الشيطان قد أيسَ أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»(3). وفي رواية الترمذي عن الأحوص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع للناس: «... ألا وإن الشيطان قد أيس من أن يعبد في بلادكم هذه أبدًا، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به»(4).

يعني: أن الشيطان لما أيسَ أن يشركوا بالله شيئًا سعى في التحريش بينهم بالشحناء والخصومات والحروب والفتن والخلاف وغيرها.

والشيطان للإنسان عدو مبين، عداوته لابن آدم أظهر من الشمس في الظهيرة، وهو يحرص على إيذاء ابن الدم وإغوائه منذ أن يولد، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخًا من مس الشيطان غير مريم وابنها». ثم يقول أبوهريرة: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}(5) (6).

الشيطان يحرص كل الحرص أن يضل المسلم في عقيدته، ويبعده عن المنهج السوي في باب العقيدة، أو يشكك فيها، وغالبًا ما يأتي الشيطان ليضل العبد المسلم بطريق مباشر، بل يمهد له الطريق، ويأتي بمقدمات، ثم يجعله حيران في بعض معتقداته، وقد يضله إن لم يستعذ بالله، ففي حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: مَن خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك، فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته«(7).

كما أن الشيطان يكون أحرص على أن يبعد العبد عن الطاعات، أو الوسوسة فيها، أو يجعل فيها الرياء والسمعة، أو يجعلها خالية من الخشوع.

عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام، بكل عقدة يضرب: عليك ليلًا طويلًا، فإذا استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة، وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان، فإذا صلَّى انحلَّت العقد، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان«(8).

وعن أبي العلاء أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك شيطان يُقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوَّذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثًا»، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني(9).

ومن العباد ناس قد أجارهم الله بفضله، ثم بقوة إيمانهم من الشيطان وكيده، ومنهم الأنبياء، فقد ورد عن عيسى عليه السلام وأمه مريم أنهما قد أعاذهما الله من الشيطان -كما سبق- وورد عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه أعين على إسلام قرينة فلا يأمره إلا بخير، ففي حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وقد وُكل به قرينه من الجن»، قالوا: وإياك يا رسول الله، قال: «وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم؛ فلا يأمرني إلا بخير»(10).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الأعراف: 27]

(2) [ص:82-83]

(3) رواه مسلم في صفات المنافقين، باب تحريش الشيطان، وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قرينًا، رقم: (2812).

(4) رواه الترمذي في أبواب الفتن، باب ما جاء في تحريم الدماء والأموال، رقم: (2159) وابن ماجه في المناسك، باب الخطبة يوم النحر، رقم: (3055).

(5) [آل عمران:36]

(6) رواه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب ، رقم: (3431)، ومسلم في الفضائل، باب فضائل عيسى عليه السلام، رقم: (2366).

(7) رواه البخاري في بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، رقم: (3276)، ومسلم في الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، رقم: (134).

(8) رواه البخاري في التهجد، باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل، رقم: (1142)، ومسلم في صلاة المسافرين، باب الحث على صلاة الليل وإن قلت، رقم: (776).

(9) رواه مسلم في السلام، باب التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة، رقم: (2203).

(10) رواه مسلم في صفات المنافقين، باب تحرير الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قرينًا، رقم: (2814).



بحث عن بحث