الوقفة الخامسة: واستعن بالله

الاستعانة بالله هي المعلَم الثاني من أركان السعادة، المتمثل بقوله صلى الله عليه وسلم: «واستعن بالله»، وهي كلمة عظيمة جامعة.

فالحرص على ما ينفع -وهو الركن الأول من أركان السعادة- يمثل تحري الأسباب، والاستعانة بالله -وهو الركن الثاني من أركان السعادة- يمثل الاعتماد على الله تعالى، كما يدل على توحيد ا لألوهية.

ولأهمية هذا الأمر فَرَضَ الله سبحانه وتعالى التعبد به في كل ركعة من الصلاة، فالمسلم يقرأ في صلاته في كل ركعة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وهو يشعر في الوقت نفسه بوجوب التوكل على ربه في جميع شؤونه والاستعانة به بالدعاء والعبادة وجميع الطاعات، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا كيف ندعو الله، ونتوكل عليه، وننيب إليه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو مِن اللَّيْلِ: «اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، لَكَ الْحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ومَنْ فِيهِنَّ، لَكَ الْحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، قَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤكَ حَقٌّ، والجنة حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وَبِكَ آمنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإليْكَ أنبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَأسرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لا إِلَهَ لِي غَيْرك«(1).

وعن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ -يَعْنِي إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ-: بِسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، يُقَالُ لَهُ: كُفِيتَ، وَوُقِيتَ، وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ«(2).

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «مَنْ قَالَ إذَا أصْبَحَ وإذَا أمْسَى: حَسْبِيَ الله لا إلَهَ إلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سَبع مَرَّاتٍ، كَفَاهُ اللهُ مَا أهَمَّهُ صَادِقًا كَانَ بِهَا أن كَاذِبًا«(3).

فمباشرة الأسباب، ومزاولة الأعمال لا تكفي لوحدها، بل لابد من الإنابة إلى الله، والتوكل عليه، والتضرع له سبحانه وتعالى، يقول جلا وعلا:{قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(4)، فالتوكل قرين الإيمان، وعلامة الإسلام:{وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ}(5).

قال العلماء: التوكل فريضة يجب إخلاصه لله سبحانه، وهو من أجمع أنواع العبادة وأعظمها، لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة، فإنه إذا اعتمد على الله في جميع أموره الدينية والدنيوية دون كل مَن سواه صح إخلاصه ومعاملته مع الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه البخاري في التوحيد، باب قول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَبِالْحَقِّ﴾، رقم: (7385)، ومسلم في صلاة المسافرين، باب صلاة النبي غ ودعائه بالليل، رقم: (769).

(2) رواه أبوداود في الأدب، باب ما يقول إذا خرج من بيته، رقم: (5095)، والترمذي في الدعوات، باب ما يقول إذا خرج من بيته، رقم: (3426).

(3) رواه أبوداود في الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، رقم: (5081).

(4) [المائدة:23]

(5) [يونس:84]



بحث عن بحث