الخصيصة الرابعة/ تربية عمدتها التوازن، وقوامها الوسطية (7-11)

وقال الحافظ ابن حجر في الجمع بين هذا الحديث وقوله تعالى  "وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون " (1) ، وقوله تعالى "  سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون " (2) .

" ويظهر لي في الجمع بين الآية و الحديث أن يحمل الحديث علي أن العمل من الحديث هو عمل لا يستفيد  به العامل دخول الجنة ما لم يكن مقبولا . وإذا كان كذلك فأمر القبول إلي الله تعالى ، وإنما يحصل بنعمة الله لمن يقبل منه ، وعلى هذا فمعنى قوله " ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون "

أي تعملونه من العمل المقبول ، ولا يضر بعد هذا أن تكون " الباء " للمصاحبة أو للالصاق أو المقابلة ، ولا يلزم من ذلك أن تكون سببية ، ثم رأيت النووي جزم بأن ظاهر الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال ، والجمع بينهما وبين الحديث أن التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها وقبولها إنما هو برحمة الله وفضله ، فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل ، وهو مراد الحديث ويصح أنه دخل بسبب العمل وهو من رحمة الله تعالى " (3) . انتهى .

إن مجموع هذه الأحاديث ترسم لنا منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تربيته لأصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ على التوازن بين العلم والعمل . فإنه صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه ما فرضه الله عليهم من تكاليف . وما نهاهم عنه كذلك في وضوح محدد لا شبهة فيه ولا غبش . وأخبرهم أن الله سبحانه سيحاسبهم على ذلك كما قال الله تعالى " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ...." (4) الآية . وقال تعالى " من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها  ولا تزر وازرة  وزر أخرى " (5) ، وقال تعالى " فأما من طغى ( 37 ) وءاثر الحياة الدنيا ( 38 ) فإن الجحيم هي المأوى ( 39 ) وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ( 40 ) فإن الجنة هي المأوى ( 41 ) " (6).

وأما أمر الغيب والقدر فهذه أمور ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها (7) ، فلم يكلف الله تعالى أحدا من خلقه بالبحث عنها ، ولم يأمرهم بشيء يتعلق بها إلا الاعتقاد الجازم والإيمان الصادق بها كما أخبر الله ورسوله .

" لأن سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس والعقل ، فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة ولم يبلغ شفاء العين ولا ما يطمئن به القلب ، لأن القدر سر من أسرار الله تعالى اختص العليم الخبير به ، وضرب دونه الأستار وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة ، فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب (8) .

  


(1) سورة الزخرف ك الآية 72 .

(2) سورة النحل : الآية 32 .

(3) فتح الباري 11 / 296 ، 297 .

(4) سورة النساء : الآية 123 .

(5) سورة الإسراء : الآية 15 .

(6) سورة النازعات : الآية 37 ـ 40 .

(7) انظر فتح الباري 13 / 267 .

(8) فتح الباري 11 / 477 .



بحث عن بحث