القاعدة الثانية

التعامل مع النص من حيث ثبوته

إن أول ما يجب فهمه للمستدل بالحديث والمتعامل معه التحقيق من صحة نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يستلزم:

1 ـ معرفة قواعد الجرح والتعديل.

2 ـ فهم قواعد التصحيح والتضعيف.

3 ـ التوثق من صحة الحديث المستشهد به وسلامته.

4 ـ الموقف من الحديث غير الصحيح.

¡¡¡

هذه القاعدة هي أولى قواعد التعامل مع السنة النبوية للتأكد من صحة وسلامة الحديث أو الأحاديث المستشهد بها، أو المستنبط منها، وهذا يتطلب الإلمام بجملة قواعد تتفرع عن هذه القاعدة ليتم الإلمام بها، أعرضها بشيء من التفصيل:

الأولى: معرفة قواعد الجرح والتعديل :

ولتوضيح هذه القاعدة نفصلها كما يلي:

علم الجرح والتعديل: هو العلم الذي يعرف أحوال الرواة ثقة وضعفًا، وعدالةً وجرحًا، فيقبل حديثه أو يرد.

فالجرح يشمل الجرح في عدالة الراوي، وفي ضبطه وحفظه، كما أن العدالة تشمل السلامة من أسباب الفسق، وخوارق المروءة ولهذا العلم أهمية كبرى إذ به تتم المحافظة على السنة من الانتحال والتزييف، والزيادة والنقص، تحقيقًا لقوله تعالى: âإِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَá [الحجر: 9].

وبه يعرف المقبول من المردود من الرواة، ومنزلته من أعلى مراتب الصحة إلى أدنى مراتب الضعف فهو العمود الفقري لعلم مصطلح الحديث.

وفضله يستمد من فضل علم الحديث، قال وكيع رحمه الله: سمعت سفيان الثوري يقول: «ما من شيء أخوف عندي من الحديث، ولا شيء أفضل منه لمن أراد به ما عند الله تعالى».

ومما يلزم معرفته في هذا عدة مسائل، منها:

ـ معرفة الجرح والتعديل، ومن هو الجارح والمعدل؟ وما شروطهما؟..الخ.

وقد بين علماء المصطلح هذه المسائل الدقيقة وخلاصتها: أن الجارح والمعدل هو من انتصب لحفظ السنة، وللحكم على الرواة.

وهو من كان عالـمًا تقيًا متحريًا، عارفًا بأسباب الجرح والتعديل وباصطلاحات أهل العلم.

- وتكون معرفة حال الراوي إما بالاستفاضة والشهرة، وهؤلاء مثل: الأئمة الكبار، كمالك وشعبة، والسفيانين، وعبد الله بن المبارك، وأحمد بن حنبل ومن كان مثلهم في الإمامة وعلو المنزلة.

ومما جاء في أقوالهم: سئل الإمام أحمد بن حنبل عن إسحاق بن راهويه ـ رحمهما الله تعالى ـ فقال: مثل إسحاق يسأل عنه؟! إسحاق عندنا إمام من المسلمين.

وإما بالتنصيص، وهو أن ينص واحد من علماء الجرح والتعديل على عدالة الراوي أو جرحه، وهذا ما امتلأت به كتب معرفة الرجال جرحًا وتعديلًا.

ـ وكذلك مراتب الجرح ومراتب التعديل، وقد استقر الاصطلاح على أن للتعديل ست مراتب، وللجرح ست مراتب، فأعلى مراتب التعديل ما يدل على المبالغة في التوفيق.

والثانية: ما تأكد بصفة أو صفتين من صفات التوثيق، مثل: ثقة ثقة.

والثالثة: ما دل على التوثيق من غير تأكيد مثل: ثقة.

والرابعة: ما دل على التعديل من دون إشعار بتمام الضبط مثل صدوق.

والخامسة: ما دل على التعديل مع إشعار بحفظ الضبط مثل صدوق يهم أو له أوهام.

والسادسة: ما أشعر بالقرب من التجريح مثل: صويلح.

والمراتب الثلاث الأولى حديث أهلها: صحيح، والرابعة حديثهم حسن، والخامسة والسادسة يكتب حديثهم ويختبر على تفصيلات لأهل الاصطلاح في ذلك.

ومراتب الجرح أدناها ما دل على التليين مثل: لين.

والثانية: ما صرح بعدم الاحتجاج به ونحوه، مثل: ضعيف، ولا يحتج به.

والثالثة: ما صرح بعدم كتابة حديثه مثل: لا يكتب حديثه.

والرابعة: ما دل على اتهامه بالكذب مثل: متهم، ومتروك.

والخامسة: ما دل على وصفه بالكذب مثل: كذَّاب أو وضَّاع.

والسادسة: ما دل على المبالغة في الكذب مثل: أكذب الناس.

وأما حكم حديثهم: فمن كان في المرتبة الأولى والثانية فلا يحتج بحديثهم ولكن يكتب حديثهم للاعتبار فقط، وأما من كان في المرتبة الثالثة فحديثهم ضعيف، ومن كان في الرابعة فحديثهم شديد الضعف، ومن كان في الخامسة والسادسة فحديثهم موضوع.

وعند تطبيق هذه المراتب فلأهل العلم في الرواية تفصيلات دقيقة يلزم المختص الاطلاع عليها والإلمام بها.

¡¡¡

ـ ومما يلزم معرفته معرفة مواطن الجرح، وهي إما من جهة العدالة كمن يتصف بالكذب أو الفسق، أو الجهالة، أو خوارم المروءة، وإما من جهة الضبط كمن يكثر منه السهو والنسيان، أو يقبل التلقين، أو يغلط كثيرًا.

¡¡¡

ـ ومن أهمّ ما يلزم معرفته طرائق أهل الحديث عند تعارض الجرح والتعديل سواء كان هذا التعارض من كلام الناقد نفسه أو بين مجرحين ومعدلين.

وخلاصته: بجمع الأقوال بعضها إلى بعضها، ومدى إمكانية حمل التوثيق على جانب، وحمل الجرح على جانب آخر، فإن لم يتوصل إلى ذلك فبالترجيح بقرائنه.

ومن الترجيح: تقديم الجرح على التعديل بشرط أن يكون الجرح مفسرًا.

¡¡¡

ـ ومن ذلك معرفة علل الحديث ـ سندًا ومتنًا ـ وهو من أدق علوم الحديث، فقد يكون ظاهر الحديث سليمًا لكن في الإسناد أو المتن علة خفية. فيلزم المتعامل مع السنة معرفة العلة وطرق كشفها.

ومما يدخل في ذلك مختلف علوم الإسناد من الاتصال والانقطاع والرفع والوقف والإرشاد والتدليس، وغيرها.

¡¡¡

ـ ومن ذلك معرفة كتب الجرح والتعديل، ومناهج الأئمة في ذلك.

هذه جُمل مما يلزم المتعامل مع الحديث لتحقيق القاعدة الأولى من القواعد الفرعية.

وخلاصة هذه القاعدة: أنه يلزم المتعامل مع السنة النبوية الإلمام بقواعد الجرح والتعديل، غير أنه ينبغي أن يدرك أن هذا العلم مع جلالته وعلو قدره ومنزلته سهل المزالق، ومن هنا يحذر الطالب والمتعامل مع هذا العلم من جملة أمور من أهمها:

1 ـ التلذذ بالكلام عن الرجال ومما قيل فيهم بما يكون شهوة للنفس.

2 ـ انحراف النية والمقصد لأي غرض من الأغراض.

3 ـ التعالم على الآخرين بهذا العلم، وهذه من آفات متعلمي هذا العصر.

4 ـ التوسع الذي لا حاجة إليه فيخرج عن الغاية المطلوبة.

5 ـ إهمال هذا العلم إلى حد التقليل من شأنه، وأنه بات علمًا لا حاجة إليه فقد نضج واحترق.



بحث عن بحث