القاعدة الحادية عشرة: عدم التركيز على الأمور الصغيرة

إن من أولويات إدارة الوقت والحياة ألا يضيّع الإنسان وقته في الأمور الصغيرة والهامشية على حساب تأخير الأمور الكبيرة التي يتوقف عليها العمل والإنتاج، والابتكار والإبداع، وهذا لا يعني أن يهمل الصغائر مطلقًا، بل عليه أن ينظم توزيع الوقت على جميع الأمور، فيأخذ كل عمل وقته حسب حجمه وأهميته.

وهذه القاعدة تنطبق على جميع شؤون الحياة، سواء في علاقة الإنسان مع أهله في بيته، أو مع المجتمع من حوله، أو مع المؤسسة التي يعمل فيها، لذا لا بد من الإشارة إلى أهم المحاور المتعلقة بهذه القاعدة:

1 ـ إن الاهتمام الكبير بالأعمال الجانبية وإهمال المهم منها يؤدي إلى تراكم الأعمال وتأخير الإنتاج، وبالتالي إلى الفشل والخسارة، فلا بد من وضع برنامج ينظم الأعمال حسب أهميتها وأولويتها، وما يناسبها من أوقات ووسائل لإنجازها بصورة مقبولة وناجحة.

2 ـ يجب ألا نقيّم الناس على بعض الأخطاء الصغيرة، وننسى أعماله الجليلة، لأن بعض الناس إذا رأوا من شخص خطأ صغيرًا قاموا عليه، وتكلموا فيه على الملأ، ونسوا أو تناسوا ما يقدمه هذا الإنسان من أعمال عظيمة وجهود كبيرة لمجتمعه وأمته، وهذه النظرة السلبية تحدث خللًا في ميزان التقييم والتشخيص، لذا فإن النتائج المترتبة عليها تكون مخيبة للآمال، مع العلم أن الله تعالى يخاطب أصحاب الخطايا الصغيرة بقوله: âإِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا á.

3 ـ الابتعاد عن محاسبة الآخرين على كل سلوك أو تصرف، سواء داخل الأسرة مع الزوجة والأبناء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَفْرِك مؤمن مؤمنة إن كره منها خُلْقًا رضي منها آخر». وإن معظم المشكلات الزوجية وقضايا الطلاق سببها الأمور التافهة والصغيرة التي يمكن تجاوزها بسهولة، أو خارج الأسرة مع الصديق أو الموظف أو زميل العمل، وصدق الشاعر القائل:

إذا كنتَ في كل الأمور معاتبًا
فَعِشْ واحدًا أو صِلْ أخاكَ فإنّه
إذا أنتَ لم تشرب مرارًا على القذى
ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلُّهـا
  صديقَك لم تَلْقَ الذي لا تعاتبه
مُقارفُ ذَنبٍ مرَّة ومُجانبه
ظمئتَ وأيُّ الناس تصفو مشاربه
كفى المرءَ نُبْلًا أن تُعَدّ معايبه

4 ـ إن العقل الصغير، والأفق الضيق، والتصور الآني، هو الذي يضخم الصغائر ويحوّلها إلى قضايا ذات أهمية، ربما تنشب من أجلها الصراعات بين الأزواج، وبين الأسر، وبين الأصدقاء، وبين الجيران. وفي مجال العمل قد يؤدي ذلك بالمؤسسة أو الشركة إلى الخسائر الفادحة، والعلاج من ذلك أن يتحلى الإنسان ببعد النظر وسعة الأفق، وأن يتجاوز عن الأمور التافهة التي لا تضر ضررًا كبيرًا.

5 ـ الخوف من الوصول إلى الأهداف الكبيرة والطموحات العالية يؤدي أحيانًا إلى الاهتمام بصغائر الأمور فحسب، وهو الهروب من المسؤولية ومواجهة التحديات، فترى البعض يبررون اهتمامهم بالصغائر أنها عوائق لابد من حلّها وإزالتها للوصول إلى تحقيق الأهداف، وهذا وَهْمٌ كبير يتمسك به العاجزون، بل إن الطريق  الصحيح هو عدم الاكتراث كثيرًا بالصغائر ومواجهة الواقع بعزيمة وثقة.

وكما قال الشاعر:

ومن يتهيب صعود الجبال

  يعش أبد الدهر بين الخُفَر

والمتمعن في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، يجد أنه لم يعط وقتًا طويلًا أو اهتمامًا كبيرًا للأمور الصغيرة، بل إن معظم حياته كان في الجد والعمل وفي الدعوة إلى الله، وكان لا يقف على حظوظ النفس أو الانتقام لها، قال أنس رضي الله عنه: «كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثّرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: «يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء».

وقالت عائشة ك : «ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء يؤتى إليه حتى يُنتهك من حرمات الله فينتقم لله».

فما أجدرنا أن نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم قولًا وعملًا، ونجعل من سيرته العطرة نبراسًا وضّاءًا لأخلاقنا وسلوكنا وإدارتنا لأنفسنا وللحياة في جميع الظروف والأحوال.



بحث عن بحث