الموضوع الثالث عشر:

من آداب البيوت

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه  قال: جاء أبو موسى إلى عمر بن الخطاب فقال: السلام عليكم هذا عبد الله بن قيس فلم يأذن له. فقال: السلام عليكم هذا أبو موسى السلام عليكم هذا الأشعري ثم انصرف. فقال: ردوا عليَّ ردوا عليَّ، فجاء فقال يا أبا موسى ما ردك كنا في شغل. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «الاستِئْذَانُ ثلاثٌ فإنْ أُذِنَ لَكَ وإلا فَارْجِعْ».

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه  قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا بُنَيَّ إذا دخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِِ بَيْتِكَ».

©  أهمية الحديثين:

الحديثان يتحدثان على أمر في غاية الأمية، وهي بعض الآداب المتعلقة بالبيوت في حال دخولها وغشيانها إلا بعد استئذان أهلها.

©  توجيهات الحديثين:

1-   البيت نعمة كبرى لا يعرف قيمتها إلا من يرى الذين يعيشون في الملاجئ أو الشوارع أو الخيام الممزقة أو يرى أولئك المشردين من الحروب والمجاعات وغيرها. فعلى المسلم أن يشكر الله سبحانه وتعالى بأن أنعم عليه بهذه النعمة: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ﴾ [النحل: 80]. فهو يستظل به من الحر ويستدفئ به من القر، ويستتر به عن أعين الناس، ويقضي فيه حاجاته.

2-   اهتم الإسلام بالبيت وأراد أن يكون بيت المسلم مميزًا في مظهره فأرشد إلى عدة أمور، منها:

أ – أن يكون مستورًا عن أعين وأنظار الآخرين، لا يستطيع من أراد الاطلاع أن يطلع عليه.

ب- أن تكون أمكنة الرجال فيه مستترة عن أمكنة النساء؛ لأن لكل جسن خصوصياته.

ج- أن تكون المراحيض في دورات المياه إلى غير القبلة احترامًا لها.

د- أن يكون واسعًا قدر الإمكان.

هـ - أن يكون في وسط جيران يعيشون على التمسك بالإسلام وآدابه.

و- أن لا يكون المسجد بعيدًا عنه؛ ليكون معينًا لأهله على أداء الصلاة جماعة.

3-   وكما اهتم الإسلام بالبيت شكلًا ومظهرًا اهتم بتكوينه معنويًّا وباطنًا، ولذا أرشد إلى عدة أمور، منها:

أ- اختيار مربية البيت، أو نقول: اختيار الزوجة الصالحة؛ لأنها شريكة الرجل في كل شأن من شؤون هذا البيت ومواصفات صلاح الدين والخلق.

ب- قيام البيت على العلم والتعليم، ولذا بوَّب البخاري رحمه الله  بقوله: «باب تعليم الرجل أمته وأهله»، ومما يعين على ذلك: الدروس المباشرة، والمكتبة العلمية، والأشرطة النافعة، ونحوها.

ج- قيام البيت على ذكر الله تعالى وتلاوته فهو الحصن الحصين من دخول الشياطين، ومما يذكر هنا ذكر الله عند دخول البيت وعند الخروج منه، وعند الأكل والشرب وعند الانتهاء منهما، وعند النوم والاستيقاظ منه، وعند الجماع، وغير ذلك، وكذا قراءة القرآن في البيت باستمرار وتحفيظ الصغار له.

د- تربية أهل البيت على العبادة والسلوك الحسن والأخلاق الفاضلة ابتداء من تربية الزوجة، ومن ثم تربية الصغار، والمعلم الواضح في هذا قوله عليه الصلاة والسلام: «مُرُوا أبْنَاءَكُمْ بالصَّلاةِ لِسَبْعِ سنين واضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ وفَرِّقُوا بينهُمْ فِي الْـمَضَاجِعِ». وكثرة النوافل بالبيت من أهم ما يساعد على ذلك.

هـ - قيام البيت على شعور كل من الأبوين بمسؤوليته العظيمة فيه، وكُلُّكُمْ راعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، حتى قال عليه الصلاة والسلام: والمرأةُ راعيةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ومَسْؤولَةٌ عَنْ رَعَيَّتِهَا.

فالرجل المسؤول الأول فعليه القوامة، والمرأة المسؤولة المباشرة للتنفيذ.

و- أن تكون العلاقات في البيت قائمة على المودة والرحمة كما قال سبحانه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]. والحذر الحذر من المشاكسات العائلية والخلافات المشينة القائمة على أنفه الأسباب، فهي من أشد ما يفكك روابط البيت وأواصره.

ويتبع ذلك تعاون الجميع على أداء مهماتهم ومسؤولياتهم.

4-  من آداب البيوت:

أ – الاستئذان قبل الدخول، والاستئذان يكون ثلاث مرات فإن أذن للإنسان المستأذن وإلا يرجع، قال تعالى: ﴿وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ﴾ [النور: 28].

ب- السلام على من في البيت عند الدخول وعند الخروج، كما دل عليه حديث أنس، قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾ [النور: 27].

ج- عدم طرق البيت في أوقات الراحة الخاصة كالليل، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم  عن الطرق ليلًا. لئلا يفاجئ الإنسان أهل البيت فيرى منهم ما لا يرضون.

د- من الأمور المشروعة تبادل الزيارات بين أهل البيوت، لكن ينبغي اختيار الوقت المناسب، وترك الإثقال على المزار، وأن يقصد بزيارته صلة الرحم، وتقوية أواصر المحبة ونحوها.

هـ - على الزائر إذا دخل بيت غيره أن يغض بصره، ويحفظ سمعه ولا يسأل عما لا يعنيه، ويجلس حيث أجلسه صاحب الدار، ولا يخرج حتى يستأذن ويسلم.

و- ينبغي أن يكون طرق الباب والمناداة برفق وأدب، وأن يعرّف بنفسه، ولا يقف أمام الباب حتى لا يطلع على ما في الدار إذا فتح الباب، وهذه الآداب كما أنها في حق الرجل فهي أيضًا في حق النساء.



بحث عن بحث