بسم الله الرحمن الرحيم

الأولاد بين النعمة والفتنة (6-7)

 

 

الوجه الثاني: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(1)

قال ابن كثير رحمه الله: (يقول تعالى مخبراً عن الأزواج والأولاد أن منهم من هو عدوّ الزوج والوالد؛ بمعنى أنه يلتهي به عن العمل الصالح كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)(2)، ولهذا قال تعالى ههنا (فَاحْذَرُوهُمْ) أي على دينكم ، قال مجاهد: يحمل الرجل على قطيعة الرحم، أو معصية ربه، فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه )(3).

وعن يعلى العامري - رضي الله عنه - قال : جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فضمهما إليه وقال: (إن الولد مبخلة مجبنة)(4) وفي رواية زاد (مجهلة).

المعنى: (الولد مبخلة) أي سبب للبخل، فيبخل بالمال لأجله عن إنفاقه في وجوه القرب، (مجبنة) أي باعث على الجبن والخوف، فيترك الجهاد والهجرة ونحوهما خوفاً من أن ينقطع عن ولده، (مجهلة) لكونه يحمل على ترك الرحلة في طلب العلم والجد في تحصيله، لاهتمامه بتحصيل المال له، (محزنة) أي يحمل أبويه على كثرة الحزن لكونه إن مرض حزنا، وإن طلب شيئاً لا قدرة عليه حزناً، فأكثر ما يفوت أبويه من الفلاح والصلاح بسببه، فإن شبَّ وعقَّ فذلك الحزن الدائم والهم السرمدي(5).

وليس في الحديث ذم للحسن والحسين، بل منقبة لهما إذ فيه دلالة على كمال محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - الطبيعية لهما، هذه المحبة التي تورث البخل والجبن لمن لم يكن كاملاً في مرتبة العبودية، وما يقتضيها من تقديم مرضاة الرب سبحانه على ما سواه من الوالد والولد والناس أجمعين(6).

خلاصة القول: أن تعلق القلب بالأولاد وحبهم جعلهم محل فتنة وابتلاء للعبد؛ فمن شُغل بهم عن عبادة ربه، ودفعه حبه واسترضاؤه لهم إلى فعل المعاصي فقد خاب وخسر، ومن أنس بهم وأدّى حقهم ولم يُفرط في عبادة ربه كانوا نعمة عليه ورحمة.

ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً.

 

 

 

 

 


 

(1)     سورة التغابن آية 14 .

(2)     سورة المنافقون آية 9.

(3)     انظر المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص1412.

(4)     أخرجه ابن ماجه باب بر الوالد ..ح3666-2/1209 ، وقال في مصباح الزجاجة 4/99 : هذا إسناد صحيح . وأخرجه أحمد ح17598-4/172 ، والحاكم باب مناقب الحسن والحسين ح4771-3/179 وقال : حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، والبيهقي في السنن الكبرى باب لا تجوز شهادة الوالد لولده ح20652-10/202، والطبراني في المعجم الكبير ح703-22/274، وابن أبي شيبة باب ما جاء في الحسن والحسين ح32180-6/378 . وعبد الرزاق في مصنفه باب من مات له ولد ح 20143-11/140 زاد ( مجهلة ) .

(5)     انظر شرح سنن ابن ماجه 1/261 ، فيض القدير 2/403 ، النهاية 1/103 ، مرقاة المفاتيح 8/504،505.

(6)     انظر مرقاة المفاتيح 8/506 ، فيض القدير 6/378 ، التيسير بشرح الجامع الصغير 2/487.



بحث عن بحث