الحلقة (36)
قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام (21)
أداء إبراهيم للمناسك
عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس - وساق الحديث إلى أن قال -: «ويزعم قومك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة، وأن ذلك سنة،قال: صدقوا، إن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لما أمر بالمناسك عرض له الشيطان عند المسعى، فسابقه، فسبقه إبراهيم، ثم ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة، فعرض له شيطان - قال يونس: الشيطان - فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات - ثم ساق بقية الحديث إلى أن قال: قال: ثم ذهب به جبريل إلى الجمرة القصوى فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ([1]
ويستفاد مما سبق
أن رمي الجمرات من شعائر الحج الواجبة والمشروعة لكل من قصد هذا المنسك العظيم ؛ وقد ورد التصريح بهذه الشعيرة العظيمة في السنة النبوية المتفق على صحتها بين أهل العلم :
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَ الْفَضْلَ ، فَأَخْبَرَ الْفَضْلُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ) .
رواه البخاري ومسلم [2]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ ، وَرَمَى بِسَبْعٍ ، وَقَالَ : هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ومسلم[3].
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ، يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ فَيَقُومَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلاً ، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى ، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيَسْتَهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلاً وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ، وَيَقُومُ طَوِيلاً ، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ. فَيَقُولُ : هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ[4]
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله :
" أما رمي الجمار فالقصد به الانقياد للأمر ، إظهارا للرق والعبودية ، وانتهاضا لمجرد الامتثال ، من غير حظ للعقل والنفس فيه ، ثم اقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام ، حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليُدخل على حَجِّه شبهة ، أو يفتنه بمعصية ، فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طردا له وقطعا لأمله ، فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه ، وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان ، وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي ، ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه ، وأنه يضاهي اللعب فَلِمَ تشتغل به ، فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان ، واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة ، وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره ، إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيما له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه " انتهى.[5]
والله أعلم .
[1]رواه أحمد (4\247-249) ، طبعة شاكر.رواه الإمام أحمد في المسند 1 \ 297، وقال أحمد محمد شاكر : إسناده صحيح 4 \ 247 حديث 2707، والحاكم (1\466( وقال بعد إخراجه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ورمز له الذهبي في [تلخيصه لمستدرك الحاكم] بأنه على شرط مسلم، والبيهقي(5/153) من طرق بعضها موقوف وبعضها مرفوع، وذكره الهيتمي في [مجمع الزوائد (3\259) ،وقال بعده: رواه أحمد والطبراني في [الكبير] ورجاله ثقات ا.ه.
[2]رواه البخاري (1685) ومسلم (1282(
[3] رواه البخاري (1748) ومسلم (1296(
[4] رواه البخاري (1751)
[5]" إحياء علوم الدين " (1/270)