نايف وصناعة تاريخ
ليكتب اليراع في صفحات التاريخ، أن عظمة الرجال تتجلى في آثارهم وأعمالهم، أثناء حياتهم وبعد مماتهم، بل إن العظماء من الرجال هم الذين يسهمون في صناعة التاريخ، فيذكرهم أكثر من غيرهم، وها نحن اليوم نفقد أحد هؤلاء الكبار، إنه الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله تعالى - مؤمنين بقضاء الله تعالى وقدره، لقوله جلّ وعلا: )وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ( وقوله جل ثناؤه: )كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ. (
لقد أوتي الأمير نايف- رحمه الله-، خصائص القيادة ، فقد كان أحد صناع التاريخ المعاصر للمملكة، من خلال توليه المناصب المختلفة، فلم يخل جانب أو ميدان في بلاد الحرمين إلا وكان له دعم وإسهام في تطويره وتنميته، وخاصة القضايا الكبرى التي تعنى بمصير الوطن والمواطنين، لما عنده من حكمة وحزم وحلم ورحمة في التعامل مع المشكلات والأزمات والنوازل، ومن أهم معالم صناعة التاريخ لديه:
أولاً: استطاع أن يحافظ على الأسس التي قامت عليها بلاد الحرمين المتمثلة بالتأكيد على المصادر الأساسية، كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: سعة المفاهيم لدى سموّه - رحمه الله - والقدرة على إيجاد التوازن المناسب في الأزمات، والخروج دائمًا بالقرارات التي تحقق المصالح العليا للوطن والمواطن، وتحدّ من المفاسد والأضرار التي تهدد البلاد، وقد ظهرت هذه الحكمة في مواجهته مع الإرهاب، حيث ركّز الجهود والطاقات على الجانب الفكري لمعالجة هذه المشكلة وإزالة آثارها، عبر الحوار والمناصحة، وتشكيل لجان علمية من أهل التخصص الشرعي للجلوس مع أصحاب الأفكار المغالية ومناقشتهم بالأدلة الشرعية وأقوال العلماء، بالحكمة والموعظة، والذي كان سببًا في رجوع أعداد كبيرة منهم إلى المنهج الصحيح المعتدل.
ثالثًا: كان سموه محبًّا للعلم وأهله، فهو صاحب اليد البيضاء على كثير من المشاريع العلمية الكبيرة في المملكة، وومن أبرزها رعايته الخاصة للسنة النبوية وعلومها، متمثلة في جائزة الأمير نايف للسنة النبوية والدراسات الإسلامية، التي تتطور سنويًا، وتتنوع مناشطها حتى شملت كل ما يخدم السنة النبوية من بحوث ودراسات وجهود داخل المملكة وخارجها وحفظ للسنة النبوية لطلاب وطالبات التعليم العام، كما أنشئ كرسي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود في دراسات السنة النبوية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لخدمة السنة النبوية عبر الدراسات والبحوث المقدمة من أهل الحديث والسنة النبوية.
رابعًا: دعمه الكبير للمؤسسات الشرعية وفي مقدمتها الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من النواحي المختلفة، واعتبارها من أهم الأسس التي تؤدي دورًا كبيرًا في توجيه الناس وإرشادهم إلى الطريق الصحيح، فقد خصص كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود لدراسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، تأكيدًا على حرصه الشديد على شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تحقق الأمن والاستقرار والراحة للمواطنين، وتشيع القيم العليا، وتسعى للحفاظ على الثوابت الشرعية، والوطنية. خامسًا: اهتمامه بالشباب وتفاعله مع قضاياهم، والتركيز على ترسيخ المفاهيم والتصورات المعتدلة لديهم، حفاظًا على طاقاتهم وقدراتهم من الانحراف والضياع، وحفاظًا عليهم من العاديات يمينًا ويسارًا، وقد خصص كرسي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود لتنمية الشباب في جامعة الأمير محمد بن فهد في المنطقة الشرقية من أجل رعاية الشباب وتنمية الجوانب الفكرية والإبداعية لديهم في مختلف المجالات والعلوم والفنون.
سادسًا: تواصله مع كل فئات الشعب، والتفاعل مع مشكلاتهم وقضاياهم المختلفة، وتقديم الدعم والمساعدة الإنسانية لأصحاب الحوائج منهم، والتعامل مع جميع المواطنين من مسافة واحدة، وعدم الخلط بين الصالحين منهم والمذنبين، وخاصة في قضايا الإرهاب، حيث كان يعمل سمّوه - رحمه الله - بمبدأ الآية القرآنية: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.(
سابعًا: رعايته للحجاج في موسم الحج لثلاثين سنة، في تسهيل رحلاتهم وتنقلاتهم بأمان بين المناسك، والحفاظ على أنفسهم وأموالهم من أي اعتداء أو إرهاب، بل إن سموه - رحمه الله - كان يقوم بجولات ميدانية للمشاعر المقدسة أحيانًا للاطمئنان على الحجاج وسلامتهم وضمان راحتهم.
وغيرها كثيرة الأعمال والإنجازات التي حققها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز- رحمه الله-، بدافع المسؤولية والأمانة الملقاة على كاهله، والتي صبت في النهاية لصالح الوطن والمواطن، وشكلت سُورًا واقيًا لجميع التحديات التي واجهتها المملكة من الداخل والخارج. كما كونت مدرسة، بل جامعة يتلقى منها المخلصون ليفيدوا منها في مشاركتهم للتنمية في بلادنا المباركة.
أسأل الله تعالى أن يتغمده برحمته، ويجعله في العليين، وأن يحسن العزاء لخادم الحرمين الشريفين وفقه الله وسدده والأسرة المالكة وأبناء الفقيد والشعب السعودي الكريم، والأمة العربية والمسلمة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.