عندما يتعطل التفكير

 

يتساءل الإنسان عن تصرفات كثيرين فلا يجد لها مبرراً معقولاً فيحتار لأن العقل يرفضها , و المراد بالعقل هنا :العقل السّوي في أقل مراتبه, و تعظم المسألة عندما يكون التصرف , أو حتى الرأي تجاه قضايا فكرية أو منهجية لأن لها أثراً متعدياً للأخرين سلباً و إيجاباً .

ومن هنا ندرك تماماً لماذا كثرت الايات القرآنية التي تدعو الإنسان إلى النظر و التفكر , كما تدعو إلى البعد عن العقل الجمعي الذي يتبع فيه الفرد المجموعة من الناس أو كما يسمى صوت الجمهور أو الجماهير دون تأمل و نظر فيما يطرحون_ كما يسميه علماء النفس_ لان العقل الجمعي يسوق الإنسان إلى أراء و مواقف قد لا يرتضيها هو لو فكّر و تأمل قليلاً , يقول الله سبحانه و تعالى داعياً إلى هذا النوع من التفكر أقصد  البعد عن العقل الجمعي : (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) بمعنى أن كل و احد أو اثنين يفكرون هل النبي صلى الله عليه  و سلم أصيب بجنون حتى ترفض دعوته ؟  الجواب في العقل الجمعي لقريش : نعم , أما عند التفكير البعيد و عدم الأنسياق خلف الجموع : فلا . و هنا اختلف نمط التفكير فاختلفت النتيجة .

و هذا ماتقصده المقالة بعنوانها : عندما يتعطل التفكير الصحيح فينساق خلف المجموع بدون تأمل و نظر في العواقب و النتائج.

فعندما يتعطل التفكير يلغي الإنسان منحة من منح الله تعالى التي ميزها بها عن سائر الحيوان , وهي العقل الصحيح فيسلم عقله لغيره , وهذا فيه جحدان لهذه النعمة العظيمة , و يترتب على ذلك اختلال العقل الموازين لدى هذا الإنسان , و إختلال أحكامه , و اختلال مواقفه , و ضلاله في مسيرته الحياتية فليس منهج يسير عليه و لا ضوابط يتعامل بها.

عندما يتعطل التفكير يبقى الإنسان أسيراً لغيره فلا يدري أي اتجاه يتجه , فلتنظر مثلاً لكفار قريش عندما وقفوا موقفاً عنيفاً من دعوة محمد صلى الله عليه و سلم فهم في اتجاه المعارضة , و عندما ينفرد أحدهم بمناقشته عليه الصلاة و السلام تتغير مواقفه كما في قصة الوليد بن المغيرة المعروفة .

عندما يتعطل التفكير تقبل الدعاوي العريضة من الاسياد دون تأمل و نظر , ولو كان مخالفاً لأبسط البدهيات , خذ مثلاً لطم الخدود و ضرب الأجساد بالسيوف و السلاسل من الاتباع بينما كبيرهم لا يفعله ولا أولاده فأي تفكير سليم يقبل هذا.

و عندما يتعطل التفكير يصل بعض هؤلاء إلى جحدان الخالق عز وجل الذي يتعين الأقرار بوجوده سبحانه و ألوهيته بمختلف الأدلة النقلية و العقلية و الحسية . لأن الإنسياق وراء المنكر و الجاحد يوقع في التسليم بهذا الجمود , بل يلبس اللبوس السيء وهو العكس .

وعندما يتعطل التفكير تختل الموازين , وتضطرب المعايير حتى تصل إلى أعظم الأشياء , و قد تصل التعدي إلى حق من حقوق الله تعالى أو تعظيمه سبحانه , أو حقوق رسوله صلى الله عليه و سلم , أو أحترامه و تقديره . فيصل هذا الإنسان إلى مرحلة الغرور المعاكس.

عندما يتعطل التفكير يصل الإنسياق وراء الشعارات البراقة و المصطلحات الفضفاضة دون وعي بمدلولاتها , بل عند البحث و النظر تجد أن أصحابها مختلفون في تحديدها , مثل مصطلحات الإشتراكية , و الحداثة , والتنوير , فضلاً عن المصطلحات القديمة في أسمائها و الجديدة في أسماء أخرى مثل مختلف الفرق الضالة كالمعتزلة ، و الخوارج  ، وغيرها.

ومن هنا يحتاج المرء إلى وقفة أو وقفات تأمل مع النفس لتسترشد بالتعاليم الربانية في كتاب الله تعالى و سنة نبيه رسول الله صلى الله عليه و سلم مع إعمال القواعد و الضوابط للتفكير السليم المهتدي بهدي الوحيين .

 

أعان الله الجميع و سددهم

 

 

 



بحث عن بحث