قال لي صاحبي

الحلقة (1)

 

    قال لي صاحبي: ألا تلاحظون معاشر طلبة العلم والمثقفين ومتابعي الكتابات في (الانترنت) والمجلات العلمية، والصحف السيارة، بل ومتابعي ما يطرح في كثير من الفضائيات وغيرها على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي أنه لم يعد هناك حاجز لانطلاقة القلم واللسان في أي موضوع وبالأخص بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة، ولم يعد هناك أهمية ذات بال للتخصص العلمي أو المهاري أوغيره، فكل يكتب ما شاء كيف شاء، وأصبح الكثيرون مفتين وعلماء واقتصاديين وسياسيين، ومنظرين وناقدين وشعراء وكتاب قصة، واجتماعين ونفسيين وغير ذلك، وكان في زمن ليس بالبعيد القلم محترم، والكلمة نفيسة، وكثيراً ما يتعب المحررون في الصحف أو المجلات العلمية فضلا عن الحديث في الشاشة فلا يجدون إلا القليل، ترى مالسبب.؟ إنه أمر يدعو للوقوف والتأمل، لست أحدثك يا صاحبي عن كونه خطأ أو صوابا، وإنما هي ظاهرة تستجلي النظر في وقت العالم جميعه يبحث عن الرقي والتقدم، كما يبحث عن تخليصه من المشكلات، وإخراجه من الأزمات.

ألست معي في ذلك؟! قلت: بلى. ولكن...

قال: عفواً دعني أكمل فكرتي أو على الأصح تأملي وسؤالي، ترى هل السبب أن الناس انفتحوا على العلم، وأصبحت مصادر المعلومة متوفرة فكل ينهل منها؟ وإذا كان ذلك كذلك فهل هو مسوغ؟

 

أو أن السطحية في العلم، والبعد عن أعماق التخصص جرأنا لأن نخوض في كل ما يحلو لنا؟

أو أن الضغوط العالمية وتحميل هذا الدين وهذه الأمة أكثر مما تتحمل جعل الجميع يسهم سلبا أو إيجابا ولو كان عن غير دراية.

 

أو أن بعضنا أصابه ما أصابه والمهم أن يكتب أو يتحدث بأي صورة من الصور.!!

 

قلت لصاحبي: مهلاً أنت طرحت قضية عميقة لها جذورها وامتدادها وتشعبها، فحتى لا يسترسل الكلام  فيضيّع بعضه بعضا، وتتشعب الأفكار، ويصبح كحديث بعض  المجالس الذي ينتهي من حيث لم يبدأ.

وبادئ ذي بدء أشكر لك غيرتك على بني قومك، وتمنيك الأمنية لئن ينهجوا منهجية مستقيمة في التفكير،  ومن ثم في المشاركة في الكتابة والحديث وغيرها وألا يستسلموا لصفع الأحداث، فتختلط الأقلام، وتلتبس المفاهيم.

ولعلي أسهم معك في جزئية مما طرحت فحسبي أنني من المختصين فيها.

أما بقية القضايا المتشعبة مما طرحت  كحرية الرأي والقلم، أو دعاوى المعرفة،أو التعدي على التخصصات، أو اتهام مؤسسة من المؤسسات، أو خطورة الكلمة وغيرها فهذه تحتاج إلى ملفات وورش عمل، ولعلي أشاطرك الرأي في أن الفتنة عمياء، تخبط فيها من تخبط وضاعت فيها أحلام، وجعلت تبحث عن المخارج من هنا وهناك حتى شط من شط يمنة ويسره، فوصل بعض الشباب إلى الغلو في النظرة حتى قالوا بتكفير المجتمع وتمادى بعضهم إلى خطوات عملية لإصلاح المجتمع –زعموا- بالتفجير والتخريب للممتلكات والقتل للأفراد، محتجين بحجج يُظَن أنها شرعية كقضية الولاء والبراء، وإخراج المشركين من جزيرة العرب، ونحو ذلك مما يحتاج إلى نقاش تفصيلي هادئ بالأدلة الشرعية والقواعد المرعية والواقعية.

كما وصل بالبعض –ممن أشرت إلى بعضهم يا صاحبي – بأن يكتب ويتكلم كيفما اتفق حتى لـمّح بعضهم في كتابته إلى أن سر تأخرنا عن ركب أمم الأرض تقنياً هو تمسكنا بشريعة الله وجعلها منهاجاً لحياتناً فنادوا بكثير من الإصلاحات – زعموا – ومنها أن سبب إشكالاتنا مناهج تعليمنا، وحجاب نسـائنا، فظهرت مناداة بتغير المناهـج، واختلاط النساء بالرجـال وغير ذلك مما لا مجال للاسترسال فيه.

وكأن الناس بعد ذلك أصبحوا فسطاطين، وتشيع المقالات والكلام أنت معي أو ضدي. وما أشبهها.

 ونسي أو تناسى هؤلاء وأولئك منهج الإسلام المتمثل بقوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً).

 نسوا أو تناسوا الرجوع إلى ما يجب الرجوع إليه وهو مصدرية التلقي الصحيحة المبنية على الكتاب والسنة والتي توضح العواصم من القواصم.

نسوا أو تناسوا الحلم والتأني وبخاصة عند الفتن والشبهات وتكالب الأزمات والمحن وضبط النفس والقلم.

نسوا أو تناسوا منهجية النبي r في التعامل مع الملمات.

ومن هنا يا صاحبي دعني أحدثك عما أحاول إجادته، والإسهام فيه وهو مجال تخصصي، فأبتعد عن غير مجالي فلا انتقد غيري وأقع بمثل ما وقع فيه.

وهو ما أشرت إليه يا صاحبي في بداية الحديث من النظر في الأحاديث، والتعامل مع السنة في ضوء الواقع الذي أشرت إليه في اشكاليتك في مطلع الحديث، وأعدك بالمواصلة في ذلك في الحلقات القادمة بإذن الله، وفقك الله وسدد خطاك وأنار بصيرتك ودلنا وإياك وإياهم على الحق والعمل به.. وشكرا على غيرتك

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..



بحث عن بحث