الجامع الصحيح للإمام البخاري(5-20)

 

الباعث على تأليفه :

يعتبر صحيح البخاري مرحلة مهمة من مراحل تطور علم الحديث ، إذ كانت المؤلفات في هذا العلم قبله لا تفرد الحديث الصحيح بالتأليف ، وإنما تضم إلى جانب هذا ــ الحديث الحسن والضعيف ، وكان علماء الحديث يفعلون ذلك ثقة منهم بأنه في إمكان أي محدث أو فقيه أن يميز هذا من ذاك ، إذا لم ينص المؤلف على كل منها ، لأنهم وضعوا ــ إلى جانب المؤلفات التي تضم رواية الحديث ــ مؤلفات أخرى في علله ، وتاريخ الرجال وأحوالهم من حيث العدالة والجرح .

ولكن يبدوا أن هذا الأمر أصبح عسيرا في النصف الأول من القرن الثالث الهجري ، فقد استطال السند ، وكثر الرواة ، وكثرت طرق الحديث ، وبالتالي كثرت الأحاديث ، مما أصبح من العسير على غير الأئمة التمييز بين الحديث الصحيح والحسن ، وبين غيرهما وأصبحت الحاجة ماسة إلى كتاب مختصر يضم الحديث الصحيح فقط ، ويبعد ما لم يصح ، لعلة فيه ، أو لضعف في بعض رواته .

وقد أعلن هذه الحاجة المحدث الكبير إسحاق بن راهويه في مجلس من مجالسه العلمية ، وكان هذا المجلس يضم الإمام البخاري ، إذ كان تلميذا من تلاميذه ، فقال : لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم !

وكان أقدر الحاضرين على عمل ذلك الإمام البخاري ، لأنه ــ كما قدمنا ــ توافرت فيه صفات الأئمة القادرين على تمييز الصحيح من غيره ، والموازنة بين المرويات ، وانتقاء ما تتوافر فيه عناصر الثقة والصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم

يقول الإمام البخاري مبينا الصلة بين كلام أستاذه وتأليفه كتابه ( الصحيح ) : " فوقع في قلبي ، فأخذت في جمع الجامع الصحيح (1).

والحقيقة أنه كانت هناك رغبه نفسية بالإضافة إلى ذلك في تحقيق هذا الأمل وتمثلت فيما رآه في نومه من أنه يذب بمروحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفسرت هذه الرؤيا بأنه يدفع الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويبين الإمام البخاري أن هذه الرؤيا كانت دافعا إلى تأليف الجامع الصحيح ، إذ رأى أن تحقيق هذه الرؤيا يكون على هذا النحو ، يقول : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكأنني واقف بين يديه ، وبيدي مروحة أذب بها عنه ، فسألت بعض المعبرين ، فقال لي : أنت تذب عنه الكذب ، فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح (2).

ولهذا فقد تناول الإمام البخاري المصنفات في عصره ، وقبل عصره ، واستخرج منها ما صحت نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني : " رأى البخاري هذه التصانيف ورواها ، وانتشق ريَّاها ، واستجلى محياها ، وجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين ، والكثير منها يشمله التضعيف فلا يقال لغثه سمين،فحرك همته لجمع الحديث الصحيح،الذي لا يرتاب فيه أمين"(3) 


(1) ــ هدي الساري ( ص5 ).

(2) ــ هدي الساري ( ص5 ) .

(3) ــ هدي الساري ( ص5 ) .

 



بحث عن بحث