مسند الإمام أحمد ( 4-5 )

 

السبب في وجود الموضوعات في المسند :

الإمام أحمد ــ رحمه الله ــ من كبار أئمة الحديث الذين جمعوا بين الرواية والدراية والفقه ، وقد شهد له بالإمامة في التعديل والتجريح ومعرفة تاريخ الرجال ، وتمييز الصحيح من السقيم ، كبار أئمة هذا الشأن ، وهذا أمر لا يكاد يختلف فيه اثنان ، وقد عنيت ــ القائل الدكتور محمد أبو شهبة ــ بالبحث عن السر في وقوع الموضوعات في المسند ، وإن كان على ندرة حتى تكشف لي بعد البحث والتنقيب أن السبب يرجع إلى ما يأتي :

1 - أن الإمام أحمد كان يرى تخريج أكبر عدد ممكن من الأحاديث المشهورة أعم من أن تكون صحيحة أو ضعيفة ، وأنه كتبه في أوراق متفرقة ، وفرقه في أجزاء منفردة على نحو ما تكون المسودات وذلك على نية أن يهذب الكتاب وينقحه ، ويحذف منه ما يطمئن إليه ، ويزيد ما عسى أن يعثر عليه من الأحاديث الصحيحة ، ثم جاء حلول المنية قبل حصول الأمنية ، وهكذا كان شأن أئمة الحديث لا ينفكون عن التنقيح والتهذيب والحذف والإثبات حتى يوافيهم الأجل ، وقد مر بك آنفا أنه كان يأمر بالضرب على بعض الأحاديث ، فلعل ما أمر بالضرب عليه قد ترك سهوا.

2 - التساهل في رواية الفضائل ، وقد روي عن الإمام أنه قال : ( نحن إذا روينا في الحلال والحرام شددنا ، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا ) ، وليس معنى هذا أن الإمام أحمد كان يخرج بعض الأحاديث الموضوعة وهو يعلم ذلك ثم يسكت عليه ، فحاشا أن يكون هذا ، وإنما هو اختلاف الأنظار ، فما هو في نظره غير موضوع قد يراه غيره موضوعا ، وأئمة الجرح والتعديل مختلفون في مناهجهم ، فمنهم المشدد ، ومنهم المتساهل ، ومنهم المتوسط .

3 - من جهة زيادات ابنه عبد الله وتلميذ ابنه أبي بكر القطيعي ، ومما ينبغي أن يعلم أن العلماء يريدون بالمسند ما يشمل الأصل وزياداته ، وللإمام ابن تيمية في هذا كلام حسن ذكره في كتابه " منهاج السنة " الذي ألفه في الرد على أحد الروافض ، قال "

وليس كل ما رواه احمد في المسند يكون حجة عنده ، بل يروي ما رواه أهل العلم و شرطه في المسند أن لا يروي عن المعروفين بالكذب عنده ، وإن كان في ذلك ما هو ضعيف ، و شرطه في المسند مثل شرط أبي داود في سننه

و أما كتب الفضائل فيروي ما سمعه من شيوخه ، سواء كان صحيحا أو ضعيفا ، ثم زاد ابن احمد زيادات ، وزاد أبو بكر القطيعى زيادات ، وفي تلك الزيادات أحاديث كثيرة موضوعة ، فظن الجاهل - يريد الرافضي -  أن تلك من رواية احمد ، وأنه رواها في المسند و هذا خطأ قبيح ، فإن الشيوخ المذكورين شيوخ القطيعي وكلهم متأخر عن أحمد ، وهم ممن يروى عن أحمد ، لا ممن يروي أحمد عنه"(1)

ومهما يكن من شيء فإن ما وقع فيه من الأحاديث المختلف في أنها موضوعة على قلتها لا تغض من شأن هذا الكتاب الجليل ومنزلته كديوان من دواوين السنة المعتمدة(2)

 

6- طريقة ترتيب المسند : رتب الإمام أحمد أحاديث كتابه علي مسانيد الصحابة ،  وقسمها بضعة عشر مسندا من المسانيد أو مجامع المسانيد الرئيسة ، وقد عدها العلامة محمد بن جابر الوادي آشي ، فقال :( مسند الإمام أبي عبد الله : أحمد بن حنبل المشتمل علي ستة عشر مسندا : الأول : مسند العباس وبنيه ، الثاني : مسند أهل البيت ، وهم العشرة ، الثالث : مسند ابن عباس وحده ، الرابع : مسند أبي هريرة ، الخامس : مسند ابن مسعود ، السادس : مسند ابن عمر ، السابع : لجابر بن عبد الله ، الثامن : لأنس بن مالك ، التاسع : لعمرو بن العاص وأبي سعيد الخدري  معا ، العاشر : لعائشة ، الحادي عشر : للمدنيين والمكيين ، الثاني عشر : للشاميين ، الثالث عشر : للبصريين ، الرابع عشر : للكوفيين ، الخامس عشر:للأنصار ، السادس عشر : مسند النساء ) (3) 

 وعدها الحافظ ابن حجر ، فقال : ( هذه أسماء المسانيد التـي اشتمل عليها أصل المسند : مسند : العشرة وما معه ، ومسند : أهل البيت ، وفيه: العباس وبنيه، ومسند : عبد اله بن عباس ، ومسند : ابن مسعود ، ومسند : أبي هريرة ، ومسند : عبد الله بن عمر ، ومسند : جابر ، ومسند : الأنصار ، ومسند : المكيين والمدنيين ، ومسند : الكوفيين ، ومسند : البصريين ، ومسند : الشاميين ، ومسند : عائشة ، ومسـند : النساء ) (4) ، وعدد ما ذكر ابن حجر هنا ( 17 ) مسندا ، وذكر الحافظ في موضع آخر أنه اشتمل علي ثمانية عشر مسندا ، وقال : ( ربما أضيف بعضها إلي بعض ) (5)، وبهذا يوجه الاختلاف في عدد المسانيد الرئيسة في الكتاب ، لكن يظهر فيه الاختلاف في ترتيب هذه المسانيد ، فالوادي آشي بدأ بمسند العباس وبنيه ، وابن حجر بدأ بالعشرة وهو يوافق المطبوع ، بينما لم يزد ذكر العشرة المبشرين بالجنة في وصف الوادي آشي إلا قوله في الثاني : ( مسند أهل البيت ، وهم العشرة ) ، والعشرة غير أهل البيت ، فلعله أضافهم هنا كما أشار ابن حجر ، ومن المعلوم أن الإمام أحمد توفي قبل  تهذيبه وترتيبه ، وإنما قرأه لأهل بيته قبل ذلك خوفا من العوائق العارضة ، وقد أجاب الإمام ابن عساكر بهذا (6)

 ومن خلال ما سبق يتبين :

   1 - أن المسند مقسم إلي عدة مسانيد رئيسة , وهي التي ترجم لها غالبا بقوله مثلا : ( مسند العشرة وما معه ، ومسند أهل البيت ) وهي تشتمل علي مجموعة من مرويات عدد من الصحابة ، وقد بوب أيضا علي مرويات صحابي واحد بقوله : ( مسند ) ، مثل : ( مسند عبد الله بن عباس ، ومسند ابن مسعود ، ومسند أبي هريرة ) ويلحظ أن هؤلاء الذين أفردهم بهذا التبويب من المكثرين في الغالب ، وفي المسانيد التي يترجم بها ويبوب وهي جامعة كقوله : ( مسند العشرة ) ، يفصل مرويات كل صحابي علي حدة ، ويبوب عليها بقوله ( حديث أبي ، وحديث عمر بن الخطاب ) .

   2 - بدأ مسند الرجال بالعشرة المبشرين بالجنة ، وقدم حديث الأربعة الخلفاء ، ثم رتب البقية بعد ذلك بحسب البلدان ، مثل قوله : مسند البصريين ، ومسند المكيين ، ومسند المدنيين ، ومسند الكوفيين ، أو بحسب القبائل ، وأهل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم ، والأنصار وغير ذلك ، وربما كررت مرويات الصحابي في أكثر من موضع تارة باعتبار بلده ، وتارة باعتبار قبيلته ، أو أسبقيته في الإسلام ، ومن ذلك أنه أخرج مرويات ( حارث بن أقيش ) في مسند الأنصار ، ثم أخرجها في مسند الشاميين ، وكذا ( حارث بن زياد الأنصاري ) أخرج له في موضعين : مسند المكيين ، ومسند الشاميين ، وقد رتب ابنه عبد الله مسانيد المقلين ، قال الحافظ ابن حجر : ( لم يرتب - يعني الإمام أحمد - مسانيد المقلين ، فرتبها ولده عبد الله ، فوقع منه إغفال كبير من جعل المدني في الشامي ، ونحو ذلك ) (7)

 وأما مرويات النساء فقد فرقت في المطبوع من المسند في عدة مواضع ، وجمعت مرويات أكثرهن في أواخر المسند متتابعة ، وقدم : حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، ثم : حديث فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم ، إلي بقية أحاديث أمهات المؤمنين ، وبقية النساء رضوان الله عليهن ، وترجم لأحاديث المبهمات من أزواج النبي صلي الله عليه وسلم في مواضع أخري ، مثل قوله : ( حديث بعض أزواج النبي صلي الله عليه وسلم ) .

   3 - ترجم أيضا لمسانيد المبهمين والمبهمات من الصحابة رضوان الله عليهم ، بحسب ما جاء في الرواية ، : ( حديث رجل من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم )

   4 - في آخر المسند بعد مرويات النساء ، أخرج مرويات أربعة من الصحابة ، حيث ترجم لأولهم ، فقال : ( حديث صفوان بن أمية رضي الله عنه ) ، ثم : ( حديث أبي بكر بن زهير الثقفي رضي الله عنه ) ، ثم : ( حديث والد بعجة بن عبد الله رضي الله عنه ) ، ثم : ( حديث شداد بن الهاد رضي الله عنه ) ، وبه ختم المسند المطبوع ، وأحاديث صفوان جاءت في موضع آخر ، وكذا أبو بكر بن أبي زهير ، وشداد بن الهاد . (8)


(1) ــ منهاج السنة ( 7 / 97 ).

(2) ــ أعلام المحدثين للدتور محمد أبو شهبةص 84 ، 85 .

(3) برنامجه ص 198 .

(4) إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي ( 1 /173 ).

(5) المجمع المؤسس ( 2 / 32 ) .

(6) ترتيب أسماء الصابة الذين أخرج حديثهم أحمد بن حنبل في المسند ص 33 .

(7) المعجم المؤسس ( 1 / 199 ) .

(8) انظر : تخريج الحديث بحسب الراوي الأعلي ص 37 ــ 40 .

 

 



بحث عن بحث