التخريج المختصر

تعريف التخريج المختصر:

         هو التخريج الذي يقتصر فيه المؤلف على رواية الحديث بأقوى أسانيد المؤلف، أو بأعلاها وأشهرها  - من حيث السند-، وأدل ألفاظها، وأدقها في العبارة عند مؤلفه على المعاني والأحكام – من حيث المتن-.

وهذا النوع من التخريج قسمان:

1.   قسم بالرواية.

2.   قسم بالعزو.

القسم الأول: وفيه ينتقي العلماء بعض المرويات من مروياتهم، بحسب الغرض الذي يتجه إليه كل واحد منهم، كما فعله الإمام البخاري فاختصر كتابه الصحيح من مسنده الكبير، فانتقى منه ما صح سنده عنده.

    وكذلك صحيح ابن خزيمة، فإنه اختصره من كتابه الكبير، وكان قد جمع فيه الروايات الكثيرة تحت الموضوعات، ثم انتقى منه ما اشترط فيه الصحة، وقد يشير إلى ما في الباب من غير التخريج.

    ويُعدّ من هذا القبيل انتقاء النسائي للمجتبى من السنن الكبرى، ويتضح ذلك في أمرين:

1.   ذكر أبوابًا كاملةً في الكبرى ولا ذكر لها في الصغرى.

2. ذكر أحاديث في أبواب من الكبرى، وليست في الصغرى، مثل ذكر بعض الأحاديث في كتاب عِشرة النساء من الصغرى، بينما هذا الكتاب في الكبرى أوسع بكثير. وكذلك فعل في فضائل الصحابة، وخصائص عَلِيٍّ والتفسير.

-   ومن أمثلته أيضًا: السنن الصغرى للبيهقي، والغالب فيها اختصار الأحاديث من السنن الكبرى، فالأبواب على ما يظهر واحدة، وجرى الاختصار في الأحاديث, فهي في الصغرى أقل.

-   وقد يكون سنن الترمذي كذلك؛ لأنه يذكر ما في الأبواب إشارة إلى رواتها من الصحابة؛ والأصل في مثل هذا أن يكون رواها بالأسانيد في مصنف كبير.

القسم الثاني: التخريج بالعزو: مثل كتاب " المنتقى من البدر المنير" لابن الملقن، وهو اختصار للخلاصة، وطريقته فيه أنه يكتفي بذكر أحد الستة وإن شاركهم في تخريج الحديث غيرهم، ومثل كتاب " الترغيب والترهيب" للمنذري، فإنه بيّن في المقدمة أنه تخريج مختصر، ومثل كتاب" تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب" لابن كثير، ومثل: تخريج العقائد النسفية للسيوطي.

دواعي التخريج المختصر:

1.   التيسير على الباحث وطالب العلم، للحصول على المقصد في وقت وجيز.

2.   مراعاة المقاصد الأساسية من التخريج دون تتمات وتوسع.

3.   الحرص على تحديد أهم وأشهر مصادر التخريج مع بيان درجة الحديث.

4.   تجنب الباحث المَلَل، وتشتت النص خلال سرد الطرق والأسانيد المطولة.

عناصر التخريج المختصر:

تختلف هذه العناصر باختلاف مقاصد المختصر نفسه، وأهم هذه العناصر:

1.   حذف الأسانيد، وذكر الصحابي فقط، كما فعله المنذري.

2.   حذف التكرار، وهذا يفعله المنذري، بخلاف الزيلعي في نصب الراية.

3.   الاكتفاء بذكر حديث صحابي واحد، وإن كان واردًا عن أكثر من صحابي.

4.   إذا كان عنده حديثان فإنه يختار أقواهما إسنادًا، ويُهمل الآخر.

5. الاكتفاء بأشهر المصادر، مثل الاكتفاء بالستة والموطأ، وترك المسانيد، ويكون الانتقال إلى غير الستة للفائدة فقط، ولا تحذف درجة الحديث مهما بلغ الاختصار.

6.   حذف ما يتعلق بعلل الحديث، والاكتفاء عنها بذكر درجة الحديث(1).


 

فوائد التخريج

 

 

للتخريج فوائد عديدة: نذكر منها الفوائد الآتية:

1.  بالتخريج نعرف مكان الحديث في المصادر الأصلية، وبالتالي نعرف إسناده ومتنه بدقة، ونستطيع المقارنة بين المتن الأصلي والذي معنا، فنتحقق من مدى الدقة في نقل النص الذي معنا.

2.  بالتخريج نعرف كلام الأئمة على الحديث صحةً وضعفًا، فمثلاً: إذا كان الحديث الذي معي قد وقفتُ عليه في صحيح البخاري أو مسلم فهو محكومٌ عليه بالصحة؛ لأن الأمة قد اتفقت على صحة ما أخرجاه، كذلك إذا وجد الحديث في سنن الترمذي فيمكنني أن أقف على حكم الحديث؛ لأن الترمذي يذكر عقب الحديث حكمه عليه، فيقول: حديثٌ صحيحٌ، أو: حسنٌ صحيح، أو: حسنٌ غريبٌ، أو غير ذلك من العبارات التي جاءت في سننه. وكذلك الصنيع فيما أخرجه الحاكم في مستدركه، فإنه يعقّب على الحديث بذكر حكمه؛ لكن على الباحث إذا نقل حكم الحاكم على الحديث فلا بد من ذكر تعقيب الذهبي عليه، وكذلك لا بد من ذكر تعقيب ابن الملقن على الذهبي.

3.    بالتخريج يمكن تتبع طرق الحديث، وبالتالي معرفة ما إذا كان الحديث آحادًا أو متواترًا.

4.  بالتخريج يمكن معرفة ما للحديث من شواهد، وما في بعض طرقه من متابعات، وبالتالي يمكن معرفة ما إذا كان الحديث يتقوّى بهذه الطرق أو يمكن تقويه بها.

5.  بتخريج الحديث، وجمع طرقه، والمقارنة بينها يمكن التوصل إلى ما في الحديث من علل، أو ما في بعض طرقه من شذوذٍ أو زيادة ثقة، كما قال علي بن المديني: " الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه".

6.  بتخريج الحديث يمكن معرفة أسباب وروده التي تذكر في بعض طرقه، وكذا يمكن معرفة معاني الغريب التي قد تذكر في روايات أخرى، مصداقًا لقول أبي حاتم الرازي: " لو لم نكتب الحديث من ستين وجهًا ما عقلناه".

7.  بالتخريج يمكن جمع الأحاديث التي تتحدث في موضوع معين، وبالتالي يمكن للباحث أن يوفي هذا الموضوع حقه من الدراسة بالرجوع إلى شروح هذه الأحاديث، ومعرفة أحكام الأئمة عليه، وما استنبطوه منها.

8.  تمييز المهمل من رواة الإسناد، فإذا كان في أحد الأسانيد راوٍ مهمل؛ مثل: " عن سفيان – ولا يدري أهو الثوري أو ابن عيينة؟ - أو: حدثنا حماد- ولا يدرى أهو ابن سلمة أو ابن زيد؟"، فبتخريج الحديث والوقوف على عدد من طرقه قد يتميز هذا المهمل، وذلك بأن يذكر في بعضها مميزًا.

9.  تعيين المبهم في الحديث، فقد يكون معنا راوٍ مبهم، أو رجل في المتن مبهم، أو امرأة مبهمة، مثل: " عن رجل، أو عن امرأة، أو جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-"، فبتخريج الحديث نقف على عددٍ من طرقه، وقد يكون في بعضها تعيين هذا المبهم.

10.  زوال عنعنة المدلس؛ وذلك بأن يكون عندنا حديثٌ بإسنادٍ فيه مدلِّس يروي عن شيخه بالعنعنة، مما يجعل الإسناد منقطعًا، وبالتخريج يمكن أن نقف على طريق آخر يروي فيه هذا المدلِّس عن شيخه بما يفيد الاتصال؛ كـ (سمعتُ ، و: حدثنا، و: أخبرنا)، مما يزيل سمة الانقطاع عن الإسناد.

11.  زوال ما نخشاه من الرواية عمن اختلط، فإذا كان معنا حديثٌ في إسناده من اختلط، ولا ندري هل الراوي عنه في إسنادنا هذا روى عنه قبل الاختلاط أو بعده؛ فبالتخريج قد يتضح ذلك؛ كأن يصرح في بعض الطرق بأن هذا الراوي روى عنه قبل الاختلاط، مما يؤيد الحديث الذي معنا، ويفيد أنه ليس مما اختلط فيه.

12.  تحديد من لم يحدَّد من الرواة، فقد يذكر الراوي في إسناد بكنيته، أو لقبه، أو نسبته، ويشاركه في هذه الكنية، أو اللقب، أو النسبة كثيرون؛ مما يجعل تحديده متعذِّرًا، فبالتخريج قد نعرف اسمه، بأن يُذكَر في إسناد، أو أكثر باسمه صريحًا.

13.  زوال الحكم بالشذوذ، فقد يحكم على حديثٍ أو لفظةٍ بالشذوذ، وبالتخريج الذي يوقفنا على كثير من الروايات يتضح ورود هذا الحديث أو اللفظة من غير هذا الطريق الذي يُظن تفرد الراوي به؛ مما يدفع القول بالشذوذ.

14.  بيان المدرج؛ فقد يدرج الراوي في الحديث ما ليس منه، وذلك يتعلق بالإسناد والمتن على حدٍّ سواء، وبالتخريج يمكن مقارنة الروايات بما يبين الإدراج.


 


(1)    محاضرات في التخريج للدكتور/ أحمد معبد.

 



بحث عن بحث