العيد والوداع (2-2)

الوقفة الثانية:

بالأمس فرح المسلمون بقدوم رمضان بما يحمله من الخيرات والأجور، واليوم يحزن المؤمنون لفراقه ووداعه، والمؤمن يرجو أن قد جعله الله تعالى من المتقبلين ومن أعتقت رقابهم من النار، والرجاء في الله كبير، فهو الغفور الرحيم، الرؤوف الحليم، يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن كثير.

ولئن تركنا شهر رمضان وودعناه بصيامه وقيامه، فالله سبحانه وتعالى حبَّب إلينا تلك الأعمال في سائر العام لتكون دليلًا على قبول الصيام والقيام.. فلئن انقضى الصيام في رمضان فإن الصيام في سائر العام لا ينقضي، والعبادة مستمرة حتى حضور الأجل {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(1)، ومن آكد الصيام بعد رمضان صيام ستة أيام من شوال؛ لما جاء في صحيح مسلم رحمه الله (2)، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر والأولى أن تكون أيام البيض، وكذا صيام يوم عرفة لغير الحاج، وكذا يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، ففي ذلك  الصيام من الخير والفضل ما الله به عليم.

الوقفة الثالثة:

مما يمتاز به هذا الشهر المبارك: صلاة القيام، وفيها يتربى المسلم على تلك العبادة الجليلة، وهي سنة في رمضان، لكن القيام لا يزال مشروعًا في كل ليلة من ليالي السنة، فرسول الله ﷺ يقوم الليل فيُسأل عن ذلك، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه، فيقول: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟»، وأفضله آخر الليل عند نزول المولى جل وعلا إلى سماء الدنيا، واعزموا عزمًا أكيدًا خالصًا من قلوبكم على مواصلة  الطاعات؛ تسعدوا في الدنيا والآخرة، وتطيب لكم حياتكم، وتعتز نفوسكم، ويقوى إيمانكم، وتلقوا ربكم وهو راضٍ عنكم، وأكثروا من التكبير ليلة العيد من غروب الشمس إلى صلاة العيد: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(3) كبروا في بيوتكم وشوارعكم وأسواقكم وطرقاتكم ومساجدكم.

فلله الحمد والمنة على ما أولانا من الفضل والنعمة، وأتم علينا شهرنا بفضله وكرمه، وليأخذ كل منا العهد على نفسه بمواصلة الطاعات؛ فدليل قبول الحسنة: الحسنة بعدها.

فإلى أولئك المجتهدين الباذلين للوقت والمال: لا تتوقفوا عن عمل الخير؛ ليتقبل ما قدمتموه.

وإلى أولئك الداعين المستغفرين: واصلوا دعاءكم واستغفاركم وذكركم، وجَدِّدوا توباتكم يفرح بها ربكم.

وإلى كل من تعوَّد على طاعة: فليداوم عليها؛ فإن خير العمل أدومه.

وإلى أولئك المفرطين الذين لم يستفيدوا من شهرهم: فباب التوبة مفتوح، والندم على ما فات يورث العمل في الحال والمآل؛ فالله سبحانه رؤوف رحيم، يقبل التوبة ويعفو عن السيئات.

وأكثروا معشر المسلمين في ختام شهركم من التوبة والاستغفار، فإن التوبة مع النية الخالصة لله ثمرتها القبول بإذن الله تعالى.

أسأل الله تعالى أن يتقبل منا رمضان، وأن يتقبل منا الصيام والقيام وسائر الأعمال، وأن يرفع لنا الدرجات، ويكفِّر عنا السيئات، ويقبل توباتنا، ويمحص ذنوبنا، كما أسأله أن يعيد لنا شهر رمضان أزمنة عديدة وأوقات مديدة، وأن يعيده علينا وعلى الأمة الإسلامية وهي ترفل بثوب النصر والعز والتمكين، وأن يعيده علينا بالعفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، كما أسأله أن يثبتنا بالقول الثابت في  الحياة الدنيا وفي الآخرة، إنه سميع مجيب، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الحجر: 99]

(2) رواه مسلم (2/822)، برقم(1164) في الصيام، باب استحباب صيام ستة أيام من شوال اتباعًا لرمضان.

(3) [البقرة: 185]



بحث عن بحث