تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته في الجانب الترفيهي

د. عبد السميع الأنيس

مدرس الحديث وعلومه كلية الشريعة والدراسات

الإسلامية بالشارقة


 

أولاً: إقراره النظر إلى اللهو المباح:

ويتضح ذلك من خلال المثالين الآتيين:

أ‌- إقراره صلى الله عليه وسلم أهله على النظر إلى اللهو المباح يوم العيد:

يدل على ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( ...وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق(1) والحراب، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم، وإما قال: (تشتهين تنظرين؟)(2).

قلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: ( دونكم(3) يا بني أرفدة)(4) حتى إذا مللت قال: ( حسبك؟ ) قلت: نعم. قال: (فاذهبي)(5).

قال الحافظ ابن حجر: (( وفي الحديث: جواز النظر إلى اللهو المباح، وفيه: حسن خلقه صلى الله عليه وسلم مع أهله، وكرم معاشرته))(6).

 

ب‌- ومن نماذج اللهو المباح: إقراره صلى الله عليه وسلم أهله على النظر إلى اللهو المباح في غير يوم العيد:

يدل على ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ( ولما قد وفد الحبشة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قاموا يلعبون في المسجد فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إليهم، وهم يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا الذي أسأم، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو)(7).

وفي رواية أخرى: قالت: (( لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ))(8).

وفي رواية قالت: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، فسمعنا لغطاً وصوت صبيان، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن، والصبيان حولها فقال: ( يا عائشة، تعالى فانظري )، فجئت فوضعت لحيي على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أنظُر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: ( أما شبعت، وأما شبعت؟ ) قالت: فجعلت أقول: لا، لأنظر منزلتي عنده، إذا طلع عمر، قال: فارفضَّ الناس عنها، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني لأنظر إلى شياطين الإنس والجن قد فروا من عمر )، قالت: فرجعت ))(9).

وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: ( لتعلم اليهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفة سمحة )(10).

وقد ورد حديث آخر بين لنا بعض ما كنت الحبشة تقول في لعبهم ذلك، وهو: ما جاء عن أنس رضي الله عنه: أن الحبشة كانوا يزفنون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتكلمون بكلام لا يفهمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما يقولون؟ ) قالوا: يقولون: محمد عبد صالح(11).

وقد استنبط الحافظ ابن حجر(12) من رواية: (( ولما قدم وفد الحبشة على رسول الله صلى الله عليه وسلم)) أن الحادثة المذكورة وقعت بعد فتح خيبر، وقدوم جعفر بن أبي طالب إلى المدينة، ومن المعلوم أن فتح خيبر كان في شهر محرم، سنة سبع من الهجرة.

وعلى الحديث المذكور اعتمدت في قولي: إقراره صلى الله عليه وسلم أهله على النظر إلى اللهو المباح في غير يوم العيد.

ويشار هنا إلى أنه قد تقدم معنا في النموذج الأول أن السيدة عائشة نظرت إلى لعب السودان، وكان ذلك يوم عيد وفي هذا الحديث – النموذج الثاني – ما يفيد أن السيدة عائشة أيضاً نظرت إلى الحبشة، وهم يلعبون بحرابهم وليس فيه إشارة إلى أن ذلك وقع يوم العيد، فهل يا ترى هما قصة واحدة؟ هذا محتمل ولكنني رجحت أنهما قصتان، وأن اللعب المذكور قد وقع مرتين: مرة يوم العيد، وقد قام به السودان ومرة ثانية عند قدوم جعفر بعد فتح خيبر، اعتماداً على رواية ابن حبان: لما قدم وفد الحبشة )) ويبدو لي أنه قام به الوفد الذي وفد من الحبشة مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه بدليل قوله: (( قاموا يلعبون )). ويؤيده: رواية أنس: أن الحبشة كانوا يزفنون، ويتكلمون بكلام لا يفهمه.. )) مما يدل على أنهم قوم طارئون على المدينة وليسوا من أهلها.

 

*    *    *

 

 ثانياً: ومن الأمثلة على الجانب الترفيهي، إقراره صلى الله عليه وسلم أهله على سماع الغناء المباح من الجارية يوم العيد:

يدل على ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم [ في يوم فطر – أو أضحى ](13) وعندي جاريتان [ من جواري الأنصار](14)تغنيان بغناء بُعاث(15)، [ قالت: وليستا بمغنيتين ](16) فاضطجع على الفراش، وحوَّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه والسلام!(17) فأقبل عليه رسول الله عليه وسلم(18) فقال: ( دعهما [يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا](19). فلما غفل غمزتهما فخرجتا ))(20).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (( وفي هذا الحديث من الفوائد: الرفق بالمرأة، واستجلاب مودتها، وفيه: أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين، وفيه: مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم ببسط النفس، وترويح البدن كُلف العبادة.

واستدل به على جواز سماع صوت الجارية بالغناء ولو لم تكن مملوكة، لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بكر سماعه بل أنكر إنكاره، واستمرتا إلى أن أشارت إليهما عائشة بالخروج، ولا يخفى أن محل الجواز ما إذا أمنت الفتنة بذلك))(21).

ومعنى قوله: (( ليستا بمغنيتين )) أي ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذي يحرك الساكن، ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر، وغيرهما من الأمور المحرمة لا يختلف في تحريمه(22).

قال الإمام الملهب بن أحمد بن أبي صفرة ( ت 435هـ ): (( وكان أهل المدينة على سيرة من أمر الغناء واللهو، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر على خلاف ذلك، ولذلك أنكر أبو بكر المغنيتين في بيت عائشة لأنه لم يرهما قبل ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فرخص في ذلك للعيد، وفي ولائم إعلان النكاح ))(23).

 

*    *    *

 

 ثالثاً: سماحه لهنَّ بمصاحبة النساء، واللهو معهن:

ومن نماذج ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قلت: (( كنت ألعب بالبنات(24) عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتَقمَّعن(25) منه [ فيسِّ بهنَّ ](26) إليَّ فيلعين معي ))(27).

قال الحافظ ابن حجر:

(( واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب، من أجل لعب البنات بهن، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخا الصور، وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور.. ))(28).

ويشار هنا إلى أن الإمام البخاري رحمه الله عنون للباب الذي أخرج فيه هذا الحديث بقوله: (( باب الانبساط إلى الناس )).

وقال ابن مسعود: (( خالط الناس، ودينك لا تكلمنّه )). ثم قال: والدعابة مع الأهل.

وهو استنباط دقيق من الحديث، وهو يريد أن يقول: يدل هذا الحديث على مشروعية الدعابة مع الأهل، والدُعابة هي: الملاطفة في القول بالمزاح وغيره.

 ويشار هنا أيضاً إلى أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تلعب بالبنات، وتصور منها الأشكال الغريبة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمازحها في ذلك ويضحك، يدل على ذلك ما جاء عن عائشة قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لُعَبٍ، فقال: ( ما هذا يا عائشة؟ ) قالت: بناتي، ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع، فقال: ( ما هذا الذي أرى وسطهنّ؟ ) قالت: فرس، قال: ( وما هذا الذي عليه؟ ) قالت: جناحان! قال: ( فرس له جناحان؟ ) قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟! قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه(29).

 

*    *    *

 

 ربعاً: ممارسة الرياضة البدنية:

ومن مظاهر الخيرية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أهله في جانبه الترفيهي، ممارسة الرياضة البدنية معهن، ومثال ذلك، سباق الجري:

يدل على ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وهي جارية قالت: لم أحمل اللحم ولم أَبْدن فقال لأصحابه: (تقدموا)، فتقدموا.

ثم قال لي: ( تعالي حتى أسابقك )، فسابقته [ فسبقته ] على رجلي، فلما كان بعد، خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: ( تقدموا ) ثم قال: ( تعالي حتى أسابقك )، ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم، فقال: كيف أسابقك يا رسول الله، وأنا على هذه الحال؟! فقال: ( تفعلين ) فسابقته فسبقني، فجعل يضحك، وقال: ( هذه بتلك السبقة )(30).

يدل الحديث على حسن تعامل المصطفى صلى الله عليه وسلم مع أهله، وانبساطه لهن، كما أنه يدل على مشروعية الرياضة البدنية للزوجة إذا كانت هذه الأعمال الرياضية منضبطة بالضوابط الشرعية، لأنها تنشط الأعضاء، وتريح النفوس، وتعبث على النشاط، وتذهب عن النفس السآمة والملل.

 

*    *    *

 

 خامساً: وكان صلى الله عليه وسلم يصحبهن في سفره، ويتبادلان أطراف الحديث:

ومن أمثلة الجانب الترفيهي: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصحب أهله في سفره، ويسير معهن في الليل ويتجاذبان أطراف الحديث.

يدل على ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها: (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فطارت القرعة لعائشة وحفصة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث، فقالت حفصة: ألا تركبين الليلة بعيري، وأركب بعيرك تنظرين وأنظر، فقالت: بلى، فركبت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه حفصة، فسلم عليها حتى نزلوا، وافتقدته عائشة ... ))(31).

يستفاد من هذا الحديث: أن يصحب الرجل زوجه في سفره، وأن يهيأ من الظروف ما يسهل عليه أمر سفرها معه، وقد غاب هذا الأدب النبوي عن كثير من الأزواج في المجتمع الإسلامي، وأصبح الرجل يعيش حياته في سفره وحضره منفرداً، وأصبحت المرأة تعيش حياتها منفصلة عن الزوج في كثير من الأحيان، وهذا أمر له آثاره السلبية على الأسرة المسلمة مما يؤدي إلى انفصام.

 العلاقة بينهما، وقد يؤدي ذلك إلى الفراق.

وعلى المسلم أن يهتدي بالهدي النبوي في ذلك، فإنَّ صحبته لأهله في سفره، وسيره معها ليلاً، وتجاذبه معها أطراف الحديث له أثر كبير في زيادة الألفة والمودة والتفاهم بينهما.

ومن الأحكام الفقهية المستنبطة من هذا الحديث:

مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك، وإلى ذلك ذهب الجمهور وخالف المالكية، ولهم اجتهاد في تفسير الحديث، قال القرطبي رحمه الله : ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف أحوال النساء، وتختص مشروعية القرعة بما إذا اتفقت أحوالهن لئلا تخرج واحدة معه فيكون ترجيحاً بغير مرجح.

وعللوا ذلك بقولهم: إن بعض النسوة قد تكون أنفع في السفر من غيرها فلو خرجت القرعة للتي لا نفع بها في السفر لأضر بحال الرجل، وكذا بالعكس قد يكون بعض النساء أقوم ببيت الرجل من الأخرى(32).

قلت: هذا الخلاف إنما يقوى في حق من كان متزوجاً أكثر من اثنتين، كأن يكون أخذ حقه كله في التعدد، أما المتزوج من اثنتين فيمكن له أن يصحب معه في كل سفر واحدة منهن، وأما المتزوج واحدة فلا يجري هذا الخلاف في حقه أصلاً.

ومما ينبغي ذكره هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غاية الشفقة على أهله في السفر، ومن مظاهر شفقته، ورحمته، وعنايته أنه كان يمهد لزوجه موضعاً ليناً لركوبها، ويضع ركبته لتصعد عليهما، يدل على ذلك ما جاء عن أنس رضي الله عنه قال: (( ... ثم خرجنا إلى المدينة – راجعين من خيبر – فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحوِّي لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبتيه وتضع صفيةُ رجلها على ركبتيه حتى تركب ... ))(33).

ومن مظاهر شفقته على أهله في السفر أنه صلى الله عليه وسلم كان يوصي الحادي أن يخفف رفقاً بهن، ويدل على ذلك ما جاء عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر، وكان غلام يحدو بهن يقال له أَنْجَشة، [ وكان حسن الصوت ]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رويدك يا أَنْجَشة سوقك بالقوارير)(34).

رويدك: أي ارفق، القوراير: كنى عن النساء بالقوارير.

قال الخطابي رحمه الله :كان أنجشة أسود، وكان في سوقه عنف، فأمره أن يرفق بالمطايا وقيل: كان حسن الصوت بالحداء، فكره أن تسمع النساء الحداء، فإن حسن الصوت يحرك من النفوس، فشبه ضعف عزائمهن، وسرعه تأثير الصوت فيهن بالقوارير في سرعة الكسر إليها. وقد جزم ابن بطال بالمعنى الأول، بينما جزم أبو عبيد الهروي والقاضي عياض بالمعنى الثاني، وجوز القرطبي الأمرين، فقال: شبههن بالقوراير لسرعة تأثرهن، وعدم تجلدهن، فخاف عليهن من حث السير بسرعة: السقوط، أو التألم من كثرة الحركة، والاضطراب الناشئ عن السرعة، أو خاف عليهن الفتنة من سماع النشيد ))(35).

وهذا الجميع جيد معقول.

 

*    *    *

 

 سادساً: إقراره المزاح والدعابة وتبسمه لهما:

ومن أمثلة الجانب الترفيهي، إقراره صلى الله عليه وسلم المزاح وتبسمه لهما:

يدل على ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( زارتنا سودة يوماً، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينها، إحدى رجليه في حجري، والأخرى في حجرها، فعملت له حريرة ... فقلت: كُلي، فأبت.

فقلت: لتأكلي أو لألطخن وجهك فأبت، فأخذتُ من القصة شيئاً فلطخت به وجهها، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجله من حجرها تستقيد مني، فأخذت من القصعة شيئاً فلطختْ به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ...))(36).

من المعلوم أن سودة تربطها علاقة جيدة مع السيدة عائشة، فهي أولاً من حزبها، ويدل على ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها: أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كنّ حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة، وصفية، وسودة، والحزب الآخر:أم سلمة، وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم(37)، وهي التي وهبت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة(38) فغير مستغرب هذا المزاح بينهما في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم يضحك من ذلك.

ومن الأمثلة على الدعابة اللطيفة وتبسمه لهنَّ ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة بالبقيع، فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي، وأنا أقول: وارأساه، فقال: ( بل أنا يا عائشة! وارأساه ) ثم قال: (ما ضرك لو متِ قبلي، فقمتُ عليك، فغسلتك، وكفنتك، وصليتُ عليك، ودفنتك؟) . فقالت: لكأني بك – والله – لو فعلت ذلك، لرجعت إلى بيتي، فعرست فيه ببعض نسائك. قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بدئ بوجعه الذي مات فيه...))(39).

ولا شك أن المزاح اللطيف، والدعابة الحلوة تؤدي إلى تطييب الخواطر، والترويح عن النفوس وغرس بذور الصادقة بين الزوجين.

 

*    *    *

 

 سابعاً: سماعه صلى الله عليه وسلم الطُرَف والأخبار الاجتماعية منهن:

ومن مظاهر الخيرية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أزواجه في الجانب الترفيهي سماعه صلى الله عليه وسلم من زوجه طُرَف الأخبار:

  يدل على ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( اجتمع إحدى عشرة امرأة فتعاقدن، وتعاهدن أن ينعتن أزواجهن ويصدقن. فقالت إحداهن: زوجي عياياء، طبقاء كلٌّ داءٍ له دواء شجَّكِ أو فَّلك أو جمع كلاًّ لك(40).

قالت الأخرى: زوجي لحمُ جملٍ غَثٍّ بجبل، لا سهلٌ فيرتقى إليه ولا سمينٌ فينُتَقَلُ(41).

 وقالت الأخرى: زوجي العَشَنَّقُ، إن أسكت أُعلَّقْ، وأَنطِق أُطلَّقْ(42).

 وقالت الأخرى: زوجي إذا شرب اشتفَّ، وإذا رقد التف، ولا يدخل الكف، فيعلم البث(43).

وقالت الأخرى: زوجي لا أبثُّ خبره، أخشى أن لا أذره(44). [ إن أذكرْهُ، أذكر عجره وبجره ].

فقال عروة: هؤلاء خمسة يشكون.

وقالت الأخرى: زوجي ليل تهامة، لا حرٌ ولا بردٌ ولا مخافة(45).

وقالت الأخرى: زوجي إذا دخل فَهِدَ، وإذا خرج أسد، ولا يسأل عما عهد(46).

 وقالت الأخرى: زوجي الريحُ ريحُ زرنبٍ، والمس مس أرنب، وأغلبه والناس يغلب(47).

وقالت الأخرى: زوجي أبو مالك، وما أبو مالك: ذو إبل كثيرة المسالك، قليلة المبارك، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك(48).

وقالت الأخرى: زوجي طويل النجاد، رفيع العماد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد(49).

قالت أم زرع: زوجي أبو زرع وما أبو زرع؟ أناس من حلي أذني(50)، ومن  شحم عضدي (51)وبجح بنفسي فبجحت(52)، ابن أبي زرع وما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل الشطبة(53)، وتكفيه ذراع الجفرة(54) بنت أبي زرع وما بنت أبي زرع؟ ملء كسائها، وصفر ردائها، وخير نسائها، وغيظ جاراتها، وطوع أبيها وطوع أمها(55)، خادم أبي زرع وما خادم أبي زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثاً، ولا تعش بيتنا تعشيشاً(56)، أتاني أبو زرع، وأنا في شق فنكحني، فانطلق بي إلى أهل صهيل وأطيط ودائس، ومنق، فأنا عنده أشرب فأتقمح(57)، وأرقد فأتصبح، وأقول فلا أقبح، خرج من عندي أبو زرع والأوطاب تمخض(58) فأبصر امرأة لها ابنان كالفهدين، يلعبان من تحتها برمانتين، فنكحها أبو زرع وطلقني، فنكحت بعده شاباً سرياً، فركب فرساً شرياً، وأخذ رمحاً خطياًَّ، وأراح على بيتي نعمًا ثرياًّ(59) وأتاني من كل سائمة زوجاً، فقال: كلي وميري أهلك فلو جمعت كل شيء أصيته منه فجعلته في أصغر وعاء من أوعية أبي زرع ما ملأه.

قالت عائشة: فقال لي رسول الله: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع )(60).

وفي رواية: ( في الألفة والوفاء لا في الفرقة والجلاء ).

وفي رواية أخرى:  (إلا أنه طلقها وإني لا أطلقك ).

قالت عائشة: يا رسول الله بل أنت خير من أبي زرع لأم زرع.

قال الحافظ ابن حجر:

وكأنه قال ذلك تطييباً لها، وطمأنينة لقلبها، ودفعاً لإيهام عموم التشبيه بجملة أحوال أبي زرع إذا لم يكن فيه ما تذمه النساء سوى ذلك.

وأجابت هي عن ذلك جواب مثلها في فضلها وعلمها(61).

 

وفي هذا الحديث من الفوائد:

1-  حسن عشرة المرء أهله بالتأنيس والمحادثة بالأمور المباحة، ما لم يُفْضِ ذلك إلى ما يمنع. – أي شرعاً -.

2-  وفيه المزح أحياناً، وبسط النفس به، ومداعبة الرجل أهله، وإعلامه بمحبته لها مالم يؤدِّ إلى مفسدة تترتب على ذلك من جنيها عليه، وإعراضها عنه.

3-  وفيه: إخبار الرجل أهله بصورة حاله معهم، وتذكيرهم بذلك لا سيما عند وجود ما طُبعن عليه من كفر الإحسان.

4- وفيه: ذكر المرأة إحسان زوجها.

5- وفيه: الحديث عن الأمم الخالية، وضرب الأمثال بهم اعتباراً.

6- وفيه: جواز الانبساط بذكر طرف الأخبار، ومستطابات النوادر تنشيطاً للنفوس.

7- وفيه: حض النساء على الوفاء لبعولتهن، وقصر الطرف عليهم، والشكر لجميلهم.

8- وفيه: جواز وصف النساء ومحاسنهن للرجل، لكن محله إذا كن مجهولات.

 9-  وفيه: جواز التأسي بأهل الفضل من كل أمة، لأن أم زرع أخبرت عن أبي زرع بجميل عشرته، فامتثله النبي صلى الله عليه وسلم.

10 – وفيه: (( ما كانت النساء عليه من فصاحة وبلاغة، قال القاضي عياض: في كلام هؤلاء النسوة من فصاحة الألفاظ، وبلاغة العبارة والبديع ما لا مزيد عليه...))(62).

11- وفيه: فضيلة للسيدة عائشة، وما كانت تتمتع به من حسن الحديث، ولطيف المجالسة، وحفظ نوادر الأخبار، والاطلاع على ما يدور بين النساء من أخبار وأسرار.

12- ولا بد من الإشارة إلى حرمة أن تصف الزوجة زوجها بما يكرهه، لأن ذلك من الغيبة المحرمة على من يقوله، ومن يسمعه.

وهؤلاء الأزواج الذين وصفتهم نساءهم بما يكرهون كانوا غير معروفين، وذكر المرء بما فيه من العيب جائز إذا قصد التنفير من ذلك الفعل شريطة أن يكون مجهولاً غير معروف.

 

*    *    *

 

 ثامناً: وكان صلى الله عليه وسلم يصحبهن في الولائم معه، ولا يختص بطعامٍ طيبٍ دونهن:

من مظاهر الخيرية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم الزوجية: أنه كان صلى الله عليه وسلم يصحب زوجته معه في الولائم لتأكل معه، ولاسيما إذا كان الطعام موصوفاً بالجودة.

يدل على ذلك ما جاء عن أنس: أن جاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسياًّ كان طيب المرق، [ وكانت مرقته أطيب شيء ريحاً ]، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم [ طعاماً ]، ثم جاءه يدعوه.

فقال: وهذه ؟ لعائشة.

فقال: لا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا )).

ثم عاد يدعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( وهذه؟ )).

قال: لا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا )).

ثم عاد يدعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( وهذه؟ )).

فقال: نعم في الثالثة.

فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله ))(63).

 قال الإمام النووي رحمه الله:

فكره صلى الله عليه وسلم الاختصاص بالطعام دونها، وهذا من جميل المعاشرة، وحقوق المصاحبة، وآداب المجالسة المؤكدة ))(64).

ويستفاد من هذا الحديث: جواز اتخاذ الأمراق الطيبة، وألوان الطعام الحسنة، واستعمال ما أخرج الله سبحانه لعباده من طيبات الرزق قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ ) [ الأعراف: 23 ].

إن في هذا الحديث: الصورة البارزة الحية لجميل خلقة صلى الله عليه وسلم مع أهله، وعظيم رحمته وعاطفته تجاهها ..، أفيترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله ليجلس من ورائها إلى مائدة شهية عامرة عند جاره الفارسي؟!، ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرضى بذلك!

وأما أن يكون في ذلك ما يدل على أن عائشة رضي الله عنها ذهبت مع رسول الله متبرجة، وجلست، امام الفارسي سافرة، واختلطت ( العائلات

 ) على نحو ما يتم اليوم في الأسر الإسلامية التي لا سلطان لدين الله على حياتها، فهو شيء لا سبيل في الحديث لأي دلالة عليه..))(65).

 


(1) الدرق: جمع درقة، وهي ترس مصنوع من جلد.

(2) جاء في رواية النسائي في (( سننه الكبرى )): فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (يا حميراء، أتحبين أن تنظرين إليهن؟) قلت: نعم. قال ابن حجر في ((فتح الباري)) (3/500): إسناده صحيح، ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميرا إلا في هذا.

(3)  دونكم: بالنصب على الظرفية بمعنى الإغراء، وفيه: إذن وتنهيض لهم، وتنشيط.

(4) بني أرفدة: قيل هو لقب للحبشة، وقيل: المعنى يا بني الإماء، وجاء في رواية: فإنهم بنو أرقدة: كأنه يعني أن هذا شأنهم وطريقتهم، وهو من الأمور المباحة فلا إنكار عليهم.

(5) أخرجه البخاري (2907)، ومسلم (892)، (16)، وغيرهما.

(6) ((فتح الباري)) (2/314)، شرح حديث رقم (454).

(7) أخرجه ابن حبان (5846).

(8) أخرجه البخاري (454)، ومسلم (892)، (18).

(9) أخرجه الترمذي (3691)، عن عائشة. ومعنى فارفض: أي تفرق.

(10) رواه أحمد (24855)، وقال الشيخ شعيب: إسناده قوي.

(11) أخرجه ابن حبان (5840)، وفي رواية النسائي في الكبرى: ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيباً. وعنى يزفنون: أي يرقصون.

(12) (( فتح الباري)) (11/697).

فال رحمه الله: وظاهر الترجمة أن المنصف كان إلى جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف عكسه، وهي مسألة شهيرة، واختلف الترجيح فيها عند الشافعية، وحديث الباب يساعد من أجاز، ولكن النووي أجاب عن ذلك بأن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ، أو كان ذلك قبل الحجاب، وقواه بقوله في هذه الرواية. ((اقدروا قدر الجارية الحديثة السن)). لكن يعكر عليه أن في بعض طرقه ((أن ذلك كان بعد قدوم وفد الحبشة ولعائشة يومئذ ست عشر سنة، فكانت بالغة، وكان ذلك بعد الحجاب..)).

(13) من رواية البخاري (3931).

(14) من رواية البخاري ( 952).

(15) من رواية البخاري (952 ): تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث.

وفي رواية أخرى (987): جاريتان تدففان وتضربان.

وفي رواية أخر (3931): وعندها قينتان تغنيان بما تعازفت الأنصار يوم بعاث. ويوم بُعاث مشهور من أيام العرب، كانت فيه مقتلة عظيمة انتصر فيها الأوس على الخزرج، وكان قبل الهجرة بثلاث سنين.

(16) من رواية البخاري (952).

(17) من رواية البخاري ( 952): أمزامير الشطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم! وذلك في يوم عيد.

وفي رواية أخرى (3931): مزمار الشيطان مرتين!

(18) من رواية البخاري ( 987 )، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه.

(19) من رواية البخاري (952).

(20) أخرجه البخاري (949)، وما كان مقوساً فهو من زيادتي على هذه الرواية، ولكن جميع هذه الألفاظ من صحيح البخاري.

(21) ((فتح الباري)) (3/499).

(22) هذا التفسير من كلام الإمام القرطبي رحمه الله كما في ((فتح الباري) (3/498).

(23) انظر شرح صحيح البخاري للإمام علي بن خلف بن بطال (2/549).

(24) البنات: أي لعب على صورة البنات.

(25) يتقمعن: أي يتغيبن منه، ويدخلن من وراء الستر حياء وهيبة منه صلى الله عليه وسلم.

(26) فيسربهن: يرسلهن.

(27) أخرجه البخاري (6130)، ومسلم (2440)، (81).

(28) ((فتح الباري)) (13/648).

(29) أخرجه أبو داود (4764)، وقوله: وفي ((سهوتها))، السهوة: شيء شبيه بالرف والطاق يوضع فيه شيء. وقوله: من ((رقاع))، الرقاع: قطع من نسيج.

(30) أخرجه أحمد (26277). وأبو داود (2578)، والنسائي في ((الكبرى)) (8942)، وابن حبان (4691) وغيرهم.

(31) أخرجه البخاري(5211)، ومسلم (2445) (88).

وقال الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث (11/221): ((كأن عائشة أجابت إلى ذلك لما شوقتها إليه من النظر إلى ما لم تكن هي تنظر، وهذا مشعر بأنهما لم يكونا حال السير متقاربتين بل كانت كل واحدة منهما من جهة كما جرت العادة من السير قطارين، وإلا فلو كانتا معاً لم تختص إحداهما بنظر ما لم تنظره الأخرى )).

(32) انظر ((فتح الباري)) لابن حجر (11/221).

(33) رواه البخاري (4211)، ومعنى يحوّي: أي يجعل لها حوية تركب عليها وهي كساء محشوة تدار حول الركب، وفي رواية أخرى (4213): فلما ارتحل وطألها خلفه.

(34) رواه البخاري (6210).

(35) انظر ((فتح الباري)) (13/670-679).

(36) أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (8868)، وأبو يعلى في ((مسنده)) (7/4476)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/15): ورجاله رجال الصحيح خلا محمد بن عمرو بن علقمة وحديثه حسن. و((الحريرة)) هي: الحساء المطبوخ من الدقيق والدسم والماء كما في ((النهاية)) مادة: حسا.

(37) رواه البخاري (2581).

(38) انظر في ذلك الحديث الذي رواه البخاري (5212).

(39) رواه أحمد (25908)، وابن ماجه (1465)، والنسائي في الكبرى (7079)، وابن حبان (6586).

(40) قولها: ((زوجي عياياء)) العياياء: العنين العاجز عن مباضعة النساء.

((طباقاء))، المعجم الذي انطبق عليه الكلام، وقيل: الأحمق الذي انطبقت عليه الأمور فلا يهتدي إلى الخروج منها.

قولها: ((كل داء له داء)): أي كل شيء من أدواء الناس فهو فيه، معناه: كل العيوب المتفرقة في الناس مجتمعة فيه.

وقولها: ((شجك أو فلك)) الشج في الرأس خاصة، وهو أن يعلو الرأس بالعصا، والفل: الكسر في سائر البدن.

تقول: إن زوجها إذا غضب لم يملك نفسه، فإما أن يشج رأسي أو يكسر عضواً من أعضائي، أو يجمعهما عليَّ.

(41) قولها: ((زوجي لحم جمل غث)) أي مهزول، على رأس جبل: تصف قلة خيره، وبعده مع القلة، كالشئ في قُلَّةِ الجبل الصعب، لا ينال إلا بالمشقة، فكذلك هذا لا يوصل إلى خيره إلا بموته لبخله.

وقولها: (( ولا سيمن فينقل )) أي ينقله الناس إلى منازلهم للأكل.

(42) قولها: (( زوجي العشنق )) أي الطويل، تريد أنه منظر لا خير فيه، إن ذكرت مافيه طلقني، وإن سكت تركني معلقة لا أيماً ولا ذات بعل.

(43)  قولها: (( وإذا شرب اشتف )) أي: شرب ما في الإناء كله فلم يبق شيئاً.

(( وإذا رقد التف )) أي نام في ناحية ولم يضاجعني.

وقولها: ((ولا يدخل الكف فيعلم البث )) تريد لا يضجع معي ليعلم حزني على بعده وما عندي من المحبة له، وقيل غير ذلك.

(44) قولها: ((لا أبث خبره)) أي لا أنشره لقبح آثاره.

((إني أخاف أن لا أذره)) أي: لا أبلغ صفاته من طولها، وقيل: لا أقدر على فراقه للأولاد والأسباب التي بيني وبينه، وقولها: عُجَرَه، وبُجَرَه: أرادت عيوبه الظاهرة، وأسراره الكامنة، ولعله كان مستور الظاهر رديء الباطن.

(45) قولها: ((زوجي ليل تهامة لا حر ولا برد)) تريد حسن خلقه، وسهولة أموره أي لا ذو حر ولا ذو برد، لأن في كل واحد منهما أذى، وليس عنده أذى ولا مكروه ((ولا مخافة)) أي: لا أخاف شره.

(46) قولها: إذا دخل فهد، أي: نام وغفل عن معايب البيت التي يلزمني إصلاحها، والفهد: كثير النوم.

وقولها: إذا خرج أسد، تقول: إذا خرج إلى لقاء العدو خافه كل شجاع، وكان كالأسد الذي يخافه كل سبع.

وقولها: ((ولا يسأل عما عهد، أي عما رأى في البيت من طعام ومأكول لسخائه، وسعة قلبه)). تصفيه بالكرم، والشجاعة وحسن الخلق.

(47) الزرنب: نوع من الطيب تريد زوجي لين العريكة، شبهته بالأرنب في لين مسه أغلبه، والناس يغلب: فوصفته مع جميل عشرته لها، وصبره عليها بالشجاعة.

(48)  قولها: المزهر، العود وهو المعزف، أرادت أن الأبل إذا سمعت صوت المعازف، علمت بنزول الضيف، وأيقنت أنها منحورة لهم. وصفته بالكرم، وكثرة القرى، والاستعداد له مع الثورة الواسعة.

(49)  ( النجاد ) حمالة السيف، وهو ما يتقلد به، كنت به عن امتداد قامته، وحسن منظره. ( رفيع العماد ) العماد: عود الخباؤ كنت بارتفاعه عن شرفه، وارتفاع بيته.

( النادي ) مجلس القوم ومجتمعهم، والكريم يقرب بيته من النادي ليظهر فيعرف فيغشى.

(50)  وقولها أناس، من النوس وهو الحركة، وكل شئ تحرك متدلياً، تقول: حلاني بالقرطة والشنوف حتى تنوس بأذنيها ، أي تحركهما.

(51) وملأ من شحم عضدي: تريد: أحسن إلي حتى سمنت، ولم ترد به العضد خاصة، بل أرادت الجسد كله.

(52)  وبجح بنفسي فبجحت ((أي: فرحني ففرحت، وعظمت عند نفسي، وقال ابن الأنباري أي عظمني فعظمت عند نفسي)).

(53) وقولها: (( مضجعه كمسل الشطبة)) تشبهه في الدقة بما شطب من جريد النخل وهو سعفه، وذلك أنه يشقق منه قضبان دقاق ينسج منها الحصر، أرادت أنه خفيف اللحم، دقيق الخصر، وقال ابن الأعرابي: أرادت بمسل الشبطة سيفاً يسل من غمده، شبهته به.

(54) وقولها: ((تكفيه ذراع الجفرة)) تصفيه بقلة الأكل، والجفرة تأنيث الجفر وهو من ولد المعز الذي أتى عليه أربعة أشهر وفصل عن أمه، وأخذ في الرعي.

(55)  وقولها: (( ملء كسائها)) تريد عظيمة العجز والفخذين، أي: هي ذات لحم تملأ كساءَها، وصفر ردائها: الصفر: أي الشئ الفارغ، أراد أن امتلاء منكبيها، وقيام نهديها يرفعان الرداء عن أعلى جسدها فهو لا يمسه فيصير كالفارغ منها، بخلاف أسفلها وغيظ جارتها: أي تحسدها لجمالها وكمالها.

(56)  وقولها: (( لا تبث حديثنا)) أي لا تشبعه ولا تنم. وقولها لا تملأ بيتنا تعشيشاً أرادت أنها لا تخوننا في الطعام فتخبئ في كل زاوية شيئاً كالطير تعشش في مواضع شتى، وقيل: إنها مصلحة للبيت مهتمة بتنظيفه، وإلقاء كناسته، وإبعادها منه. وأنها لا تكتفي يقم كناسته وتركها في جوانبه كأنها الأعشاش.

(57) قوله: ((بشق)) أي بمشقه، صهيل وأطيط: أي أهل خير وإبل، والصهيل: صوت الخيل، والأطيط: صوت الإبل، ودئس: الذي يدوس على الطعام، داسه يدوسه، ودرسه سدرسه تريد أنهم أصحاب زرع وكُدس يدسونه ويتقونه، والمنقي: الغربال. وقولها: ((أشرب فأتقمح)) أي تشرب حتى تروى، وأرقد فأتصبح: أي أنام الصبحة، والصبحة النوم أول النهار وأقول فلا أقبح، أي لا يرُد علي قولي بكرامتي عليه.

(58)  (( والأطاب تمخض)) الأوطاب: أسقيه اللبن، واحدها وطب. كناية عن كثرة اللبن، وأن عندهم ما يكفيهم ويفضل حتى ينخضوه، ويتخرجوا زبده.

(59) قولها: ((يلعبان من تحتها برمانتين)) قال أبو عبيد: معناه أنها ذات كفل عظيم إذا استلقت نتأ الكفل بها الأرض حتى يصير تحتها فجوة يجري فيها الومان. وقيل: أرادت بالرمانتين الثديين. وقولها: ((شابًّا سرياً)) أي من سراة الناس، وهم كبراؤهم في حسن الصورة والهيئة.

وقولها: ((فرساً شرياًّ )) أي يستشري في سيره، أي: يلج ويتمادى، وقولها: ((خطياً)) تعنى الرمح سمي خطياًّ لأنه يحمل من بلد بناحية البحرين يقال له: الخط فنسب إليه.

وقولها: (( نعماً ثرياًّ )) أي كثيراً يقال: أثرى بنو فلان إذا كثرت أموالهم. قولها: (( ميري أهلك )) أي صليهم وأوسعي عليهم. والحاصل: أنها وصفته بالسؤدد في ذاته، والشجاعة، والفضل، والجود بكونه أباح لها أن تأكل ما شاءت من ماله، وتهدي منه ما شاءت لأهلها مبالغة في إكرامها، ومع ذلك فكانت أحواله عندها محتقرة بالنسبة لأبي زرع، وسبب ذلك أن أبا زرع كان أول أزواجها، فسكنت محبته في قلبها كما قيل: ما الحب إلا للحبيب الأول.

اعتمدت في شرح مفردات الحديث على:                                                         

1- ((فتح الباري )) لابن حجر 11/572-603.

2- و ((الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان)) بتحقيق الأستاذ شعيب الأرنؤوط ( 16/25 ) فما بعدها.

(60) أخرجه البخاري ( 5189 ) في كتاب النكاح، باب حسن المعاشرة مع الأهل ( 5189 )، ومسلم ( 2448 ) ( 92 ) من طريق عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن عبد الله بن عروة، عن عروة عن عائشة. لكنني اخترت إخراجه هنا من رواية سعيد بن سلمة عن هشام بن عروة به.

علماً بأن هذه الرواية أشار إليها كل من البخاري ومسلم، ولم يخرجاها، وإنما أخرجها الحافظ الخطيب البغدادي في كتابه ((الفصل للوصل المدرج في النقل )) (1/275)، واخرت إخراجها منه لحسن ترتبيها، إذ قد تم فيها ترتيب الخمسة اللاتي ذممن أزواجهن على حدة، والخمسة اللاتي مدحن أزواجهن على حدة، بعد أن قمت يتصحيح ما وقع فيها من إدراج ووهم، قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) (11/576) : (( وقد اختلف كثير من رواة الحديث في ترتيبهن، ولا ضير في ذلك، ولا أثر للتقديم والتأخير فيه، إذ لم يقع تسميتهن، نعم في رواية سعيد بن سلمة مناسبة، وهي سياق الخمسة اللاتي ذممن أزواجهن على حدة، والخمسة اللاتي مدحن أزواجهن على حدة.. )).

(61)  ((فتح الباري)) (11/601).

(62)  ((فتح الباري)) (11/602، 603).

(63)  رواه أحمد ( 12243 )، ومسلم ( 2037 )، والنسائي ( 6/158 )، وابن حبان( 5301 )، وغيرهم. وما بين القوسين زيادة من رواية ابن حبان. ومعنى قوله: يتدافعان: أي شئ يمشي كل واحد منهما أثر صاحبه.

(64)  شرح صحيح مسلم (13/208)، وانظر ((فتح الباري )) ( 12/332 ) عند شرح حديث رقم ( 5434 ).

(65)  ((إلى كل فتاة يؤمن بالله)) للدكتور محمد سعيد البوطي ص 50.



بحث عن بحث