الوقفة الرابعة عشرة: أنواع النسك وصفة العمرة

 

 

في هذه الوقفة نسير مع المعتمر والحاج من الميقات, وقد سبق في وقفة سابقة أن الحاج أو المعتمر إذا وصل إلى الميقات يتجرد من ثيابه,  ويحلق عانته, وينتف إبطه, ويقص شاربه, ويتوضأ أو يغتسل, ثم يلبس رداءين أبيضين نظيفين, ثم يصلي الفريضة إن كان وقت فريضه أو إن صلى تطوعاً فلا بأس ثم يركب سيارته ثم يحرم بالحج أو العمرة أو بهما معاً.

فالحاج وهو في الميقات وقبل الإحرام مخير بين أنساك ثلاثة هي:

1- التمتع: وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم يحرم بالحج في عامه بعد فراغه من العمرة, فيقول عند إحرامه للعمرة لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج.

2- والنسك الثاني: القران وهو أن يحرم بالعمرة والحج معاً, أو يحرم بالعمرة فيدخل عليها الحج قبل الشروع في طوافها, فيقول لبيك عمرة وحجا.

3- والنسك الثالث: الإفراد وهو أن يحرم بالحج وحده فيقول لبيك حجاً.

وأفضل هذه الأنساك الثلاثة التمتع, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حج قارناً وبعد الطواف والسعي أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي بالإحلال منها بالحلق أو التقصير ثم قال بعد: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأحللت ولجعلتها عمرة)(1).

وهذا التفضيل على الإطلاق, وبعض المحققين يفصلون ويقولون إن من اعتمر في عامه قبل الحج فالأفضل له الإفراد, ومن لم يعتمر فالأفضل له التمتع, وينبغي التأكيد أن كل هذه الأنساك الثلاثة صحيحة ومجزئة ولله الحمد.

ثم بعد ذلك يشرع من نوى بالحج أو العمرة أو نواهما معاً بالتلبية, ويرفع بها صوته إن لم يزعج غيره أو يؤذيه, والمرأة تلبي سراً بما تسمع نفسها إلا إذا لم تكن بحضرة رجال أجانب عنها فلها رفعه, والتلبية هي: (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) وهذه الصيغة من أصح ما ورد في التلبية ومعنى لبيك اللهم لبيك أي: أجيبك إجابة بعد إجابة, فهي إعلان للإستجابة لنداء الله مع الإقرار بتوحيد الله تعالى ونفي الشرك عنه, واعتراف بنعمة الله تعالى وثناء عليه.

كما أن للحاج أو المعتمر التلبية بما شاء من الصيغ الواردة الأخرى مثل: (لبيك وسعديك والخير بين يديك), ويستحب له الإكثار من التلبية كما أن له أن يشغل وقته وطريقه بالاستغفار والحمد والثناء على الله جل وعلا بما هو أهله, والدعاء له ولوالديه وذريته وأقاربه وحكامه ومشايخه والمسلمين أجمعين ويستمر على هذه الحال حتى يصل إلى مكة, فإذا وصلها استحب له أن يغتسل قبل دخولها لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك, وإن لم يغتسل فلا حرج عليه إن شاء الله.

فإذا وصل إلى المسجد الحرام دخله مقدماً رجله اليمنى داعياً بدعاء دخول المسجد وهو: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم(2), فإذا وصل إلى الكعبة قطع التلبية قبل أن يشرع الطواف إن كان متمتعاً أو معتمراً, ثم يقصد الحجر الأسود ويستقبله ثم يستلمه بيمينه ويقبله إن تيسر ذلك بدون مزاحمة للآخرين أو أذاهم, ويقول عند استلامه: بسم الله والله أكبر فإن كان هناك زحام استلمه بيده ثم يقبلها, فإن لم يتيسر أشار إليه وقال: الله أكبر ولا يقبل ما يشير به, ثم يبتدئ الطواف فإن كان متمتعاً فهو طواف العمرة –وهذا الطواف ركن من أركان العمرة- وإن كان قارناً أو مفرداً فهو طواف القدوم –وهذا الطواف سنة مؤكدة- فيجعل البيت عن يساره حال الطواف, ويطوف سبعة أشواط ويرمل في الأشواط الثلاثة الأول, والرمل: هو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى ولا يشرع إلا في هذا الطواف فقط أي طواف العمرة, أو القدوم, ويمشي في الأربعة الأشواط الباقية, كما أن الرمل لا يشرع في حق النساء لما يترتب عليه من الإضرار بهن, ويستحب للطائف يضطبع في هذا الطواف فقط في جميع أشواطه والاضطباع: أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر, وعلى الطائف أن يدعو بما شاء وإن قرأ شيئاً من القرآن فحسن فليس للطواف له ذكر مخصوص كما هو منتشر بين كثير من الناس ممن يخصص لكل شوط دعاءاً مخصوصاً فهذا لا أصل له إلا ما ورد بين الركنين فيدعوا بقوله: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}, بل مهما تيسر من دعاء وذكر, كما أنه لا يشرع أن يقبل إلاّ الحجر الأسود.

ومما يشرع في الطواف استلام الركن اليماني فإذا استلمه قال بسم الله والله أكبر ولا يقبله فإن لم يتيسر تركه ومضى ولا يشير إليه ولا يكبر عند محاذاته لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولكن كلما حاذى الحجر الأسود يشير إليه ويكبر.

وبعد إتمام الطواف أي بعد تمام الشوط السابع يستحب له أن يصلي ركعتين خلف المقام إذا تيسر ذلك وإن لم يتيسر صلاهما في أي موضع من المسجد يقرأ فيهما بسورة (الكافرون) و (قل هو الله أحد) ثم بعد ذلك يخرج إلى الصفا من بابه فيرقاه ويقف عنده, ويقرأ قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم} (3), ويستحب أن يستقبل القبلة ويحمد الله ويكبره ثم يدعوا رافعاً يديه بما تيسر من الدعاء ويكرر دعاءه ثم ينزل ويمشي إلى المروة حتى يصل إلى العلم الأول وهو المشار إليه بالنور الأخضر فيسرع الرجل في المشي بل يركض إلى أن يصل إلى العلم الثاني, والمرأة لا يشرع لها هذا الإسراع لأنها عورة فإذا وصل إلى المروة رقاها وفعل كما فعل عند الصفا ثم يكرر هذا الشوط سبع مرات ذهابه سعي,, ورجوعه سعي, فيبتدئ بالصفا وينتهي بالمروة ويستحب أن يكثر في سعيه من الدعاء والذكر, وقراءة القرآن والتأمل في نفسه وأعماله, وبعد تمام سبعة أشواط, فإن كان معتمراً حلق شعر رأسه أو قصر والحلق أفضل إلا إذا لم يبق وقت لظهور الشعر في الحج, فيقصر ويحلق بعد رميه لجمرة العقبة, وحينئذ تتم العمرة ويحل له كل شيء إلى اليوم الثامن, وإن كان قارناً أو مفرداً لا يحلق ولا يقصر وحتى يحل في يوم النحر عندما يرمي جمرة العقبة فيحلق ويحل, أو يرمي ويطوف أو يطوف ويحلق.

هذه صفة العمرة وكيفيتها بشيء من الإيجاز وهناك بعض الأخطاء التي يقع فيها كثير من الحجاج والمعتمرين منها:

1- الطواف من داخل حجر إسماعيل وهذا خطأ لأنه حينئذ يكون قد طاف ببعض الكعبة لا حولها لأن بعض الحجر من الكعبة, ومن وقع منه هذا الخطأ فطوافه غير صحيح وعليه أن يعيد.

2- ومنها المزاحمة الشديدة على تقبيل الحجر الأسود وربما تعدى الأمر إلى المشاتمة والمضاربة وهو خطأ كبير لما فيه من أذية المسلمين فلا يجوز فعل طاعة مع ارتكاب محرم.

3- ومنها تقبيل الركن اليماني, والمشروع استلامه فقط.

4- ومنها التمسح بالكعبة وبأركانها وهو خطأ والصواب ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وشرعه فهو لم يستلم من الكعبة سوى ركن الحجر الأسود والركن اليماني.

5- ومنها التزاحم خلف المقام للصلاة عنده وهذا فيه أذية للطائفين ولا يجوز فعل سنة مع ارتكاب محرم فيكفي أداء الركعتين في أي مكان من المسجد.

6- ومنها التساهل في ستر العورة في الطواف وستر العورة شرط لصحة الطواف وهذا كثير للأسف عند النساء فبعضهن تكشف وجهها بحجة أن إحرامها في وجهها وهذا ليس على إطلاقة فلا يجوز لها ذلك إذا كانت عند رجال غير محارمها وبعضهن تكشف ذراعيها أو بعض ساقيها وقدميها أو شعرها وكل هذا منكر ولا يجوز يخشى على من فعلته الإثم كما يخشى عليها أن لا يصح طوافها بالإضافة إلى ما تسببه من فتنة الرجال وإشغالهم عن عباداتهم, وكذلك التساهل في الإزار من قبل بعض الرجال فيكون أسفل من السرة فتخرج بعض العورة.

7- ومنها طواف المرأة بالزينة أو الروائح الطيبة وهذا من المنكرات أيضاً فعليها اجتناب ذلك حتى لا يستشرفها الشيطان.

8- ومن الأخطاء أيضاً مزاحمة المرأة للرجال ودخولها في وسطهم وهذا فيه خطر عظيم وهو منكر جسيم فعلى المرأة أن تبتعد عن مزاحمة الرجال لئلا يسبب لها ولغيرها مفاسد عظيمة.

9- ومن الأخطاء في السعي حال الرقي على الصفا والمروة الإشارة إلى الكعبة باليدين والصواب رفع اليدين بالدعاء والتكبير.

10- ومن الأخطاء إسراع النساء بين العلمين.

11- ومنها أيضاً تخصيص دعاء معين لكل شوط وهذا لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم –كما سبق ذكره- إلى غير ذلك من الأخطاء التي ينبغي أن يتنبه لها كل حاج ومعتمر, ومن لم يفقهها ويعرفها فعليه أن يسأل.

 


 


(1) أخرجه البخاري في مواضع ومنها كما في الفتح( 3: 504 رقم 651 )في الحج, باب قضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف.

(2) أخرجه أبو داود(1: 175 رقم  466 ) الصلاة, باب ما يقوله الرجل عند دخوله المسجد.

(3) البقرة:158.

 

 



بحث عن بحث