فضل عشر ذي الحجة


     قال تعالى: { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [ الفجر: 1-2 ] ، قال ابن كثير في تفسيره - رحمه الله-: والليالي العشر: المراد بها عشر ذي الحجة. كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف . وهو قول الجمهور كما ذكر ذلك الطبري، والشوكاني.  وهذا دليل على فضلها وعظيم أمرها.

وقال تعالى : { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج : 27 ـ 28] . نقل البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال في هذه الأيام أنها : أيّام العشر .

  وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: " أفضل أيام الدنيا أيام العشر". رواه البزار، وأبو يعلى ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (50) .

 

1ـ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها, وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج, ولا يتأتى ذلك في غيره.  فتح الباري بشرح صحيح البخاري 2/534 .
2ـ وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان ، أيهما أفضل؟ فأجاب : أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان ، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة . مجموع فتاوى ابن تيمية،25/154

3ـ ومن فضلها أن فيها يوم عرفة ، وفيها أعظم يوم عند الله ، وهو يوم العيد . ويأتي الكلام عن فضلهما .

 

 الترغيب في العمل الصالح في عشر ذي الحجة:

       عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ : " مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ، قَالُوا: وَلا الْجِهَادُ ؟، قَالَ: وَلا الْجِهَادُ ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ" . رواه البخاري (969) أي إلا جهاد رجل...

       وفي رواية الترمذي وأبي داود : (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه ِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ) . صحيح سنن الترمذي، (757) ؛ صحيح سنن أبي داود، (2438).

1ـ قال ابن حجر في الحديث تعظيم تفضيل بعض الأزمنة على بعض، كالأمكنة، وفضل أيام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة .  فتح الباري 2/533 .

2ـ وقال ابن رجب الحنبلي: وقد دلت هذه الأحاديث على أن العمل في أيام ذي الحجة أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها، وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده . ولهذا قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ( ولا الجهاد في سبيل الله ) ، ثم استثنى جهاداً واحداً هو أفضل الجهاد ... ( إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ) فهذا الجهاد بخصوصه يفضل على العمل في العشر، و أما بقية أنواع الجهاد فإن العمل في عشر ذي الحجة أفضل وأحب إلى الله - عز وجل- منها . أ.هـ .  لطائف المعارف، 520-521 .

3ـ من الأعمال المستحبة في هذه الأيام:

 الحج : قال النبي  - صلى الله عليه وسلم- : ( مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) رواه البخاري ومسلم .

 العمرة : فقد شرع النبي العمرة في أشهر الحج مخالفاً بذلك المشركين القائلين : إذا عفا الوبر، وبرأ الدبر، ودخل صفر، فقد حلت العمرة لمن اعتمر ! فأعمر عائشة في أشهر الحج ، وندب أصحابه إلى التمتع الذي يأتي فيه الإنسان بعمرة في أشهر الحج ، وقرن في حجه بينه وبين العمرة، واعتمر أربع مرات كلهنّ في أشهر الحج .
 الاعتناء بالفرائض : إذ لا أحب إلى الله منها ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  - صلى الله عليه وسلم- : ( إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ) رواه البخاري .

 كثرة النوافل : للحديث السابق، من تلاوة القرآن، والتنفّل بالصلاة ، وإدامة الذكر، والصلة ، والصدقة ، وإعانة المحتاج ، وهذا باب لا يُحصى أفراده، ولله الحمد .
الصيام : قال ابن رجب الحنبلي : وممن كان يصوم العشر عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما-. ويقول أكثر العلماء أو كثير منهم بفضل صيام هذه الأيام .  لطائف المعارف 522 .

       وقال الإمام النووي : هي مستحبة استحبابا شديدا، لاسيما التاسع منها ، وهو يوم عرفة . شرح صحيح مسلم 4/328 .

 قيام الليل : قال ابن رجب الحنبلي : وأما قيام ليالي العشر فمستحب، وورد إجابة الدعاء فيها، واستحبه الشافعي وغيره من العلماء، وكان سعيد بن جبير، وهو الذي روى الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما- ، إذا دخل العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه . وروي عنه أنه قال : لا تطفئوا سرُجُكم ليالي العشر، تعجبه العبادة . لطائف المعارف 524 .

 ذكر الله : قال ابن رجب الحنبلي : وأما استحباب الإكثار من الذكر فيها فقد دل عليه قول الله - عز وجل-: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } [ الحج: 28 ] .

      فإن الأيام المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء. وروى البخاري في صحيحه : كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجانِ إلى السوقِ في أيام العشر يكبّرانِ ويكبّر النّاس بتكبيرهما.

      وروى أيضا : وكان عمر - رضي الله عنه- يكبّر في قبَته بِمنى، فيسمعه أهل المسجد ، فيكبّرون ويكبّر أهل الأسواقِ ، حتى ترتجّ منى تَكبيرًا . وكان ابن عمر يكبّر بمنى تلك الأيام ، وخلف الصلَوات ، وعلى فراشه ، وفي فسطَاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعًا  . لطائف المعارف 524 .

التوبة إلى الله:  فعلينا استقبال هذه الأيام بأن نبرأ إلى الله تعالى من كل معصية كنا نعملها ، والإقلاع عن كل ما نهى تعالى عنه . فإن الذنوب تحرم الإنسان فضل ربه ، وتحجب القلب عن معرفة الله .

 تجديد النية باغتنام هذه الأيام بما يرضي الله:  فحري بالمسلم استقبال مواسم الخير عامة بالعزم الأكيد على اغتنامها بما يرضي الله تعالى . فلنحرص على اغتنام هذه الفرصة السانحة ، قبل أن تفوت فلا ينفع الندم حينئذ .

 هذا بالإضافة إلى الأعمال الفاضلة الثابتة الأخرى ، مثل الحرص على الصلاة في جماعة ، والحرص على الصف الأول في الجماعة ، والحرص على الإكثار من الصدقة ، والإكثار من قراءة القرآن ، والإكثار من الدعاء في هذه الأيام ، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة .
  ومن آكد الأمور في هذه العشر البعد الشديد عن المعاصي والسيئات .
فقد قال بعض أهل العلم بمضاعفة السيئة في الأشهر الحرم، وهي رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، وشهر الله المحرم، قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ } [35].


الترغيب في صوم يوم عرفة:

عن أَبِي قَتَادَةَ اْلأنْصَارِيِّ - رضي الله عنه- ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ : " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ " . رواه مسلم في صحيحه (196/1162) .
1ـ قال النووي: معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين ، قالوا: والمراد بها الصغائر، وهذا يشبه تكفير الخطايا بالوضوء ، فإن لم تكن هناك صغائر يرجى التخفيف من الكبائر، فإن لم يكن رفعت درجات . شرح صحيح مسلم، 4/308 .

  وقال المباركفوري : فإن قيل : كيف يكون أن يكفر السنة التي بعده مع أنه ليس للرجل ذنب في تلك السنة . قيل : معناه أن يحفظه الله تعالى من الذنوب فيها , وقيل : أن يعطيه من الرحمة والثواب قدرًا يكون ككفارة السنة الماضية والسنة القابلة، إذا جاءت واتفقت له ذنوب . تحفة الأحوذي 3/171-172  .


فضل يوم النحر:

 عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:" إِنَّ أَعْظَمَ اْلأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرّ ". صحيح سنن أبي داود (1765).

 1ـ يوم القر: هو الغد من يوم النحر، وهو حادي عشر ذي الحجة ، لأن الناس يقرون فيه بمنى ، أي يسكنون ويقيمون .

 2ـ يوم النحر هو يوم الحج الأكبر ، وسُمي بذلك لأن معظم أعمال الحج تقع فيه ؛ من الوقوف عند المشعر الحرام ، ورمي جمرة العقبة ، والطواف ، والسعي ، والحلق أو التقصير ، ونحر الهدي للمتمتع والقارن .



بحث عن بحث