التلبية يوم عرفة (1)

 

 

3- ومن الذكر التلبية:

     تشرع التلبية للحاج في أيام الحج، واختلف الفقهاء في مشروعيتها في يوم عرفة على قولين:

 

الأول: من السنة أن يكثر الحاج من التلبية يوم عرفة ولا يقطعها، وهذا قول عامة أهل العلم إلا مالك([1]).

 

الثاني: إذا وقف بعرفة قطع التلبية، ذهب إلى ذلك الإمام مالك([2]).

 

 

استدل الجمهور بما يلي:

1: عن أسامة بن زيد والفضل ابن عباس قالا: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة([3]).

 

2: عن عكرمة بن خالد قال: لبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفات([4]).

 

3: ما ثبت عن الصحابة أنهم كانوا يلبون يوم عرفة، روي عن ابن مسعود أنه لبى عشية عرفة، فقيل له: ليس هذا موضع تلبية. فقال: أجهل الناس أم نسوا فوالذي بعث محمدا بالحق لقد حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخللها أو يخلطها بتكبير و تهليل([5]).

 

وعن زياد بن أبي مسلم قال: سمعت أبا العالية قال: سمعت ابن عباس بعرفة يقول: لبيك اللهم لبيك([6]).

 

وعن محمد بن أبي بكر الثقفي قال: سألت أنسا ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية؛ كيف تصنعون مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان يلبي الملبي فلا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه([7]).

 

4: لأن التلبية ذكر يؤتى به في ابتداء هذه العبادة وتكرر في أثنائها فأشبه التكبير في باب الصلاة، وكان ينبغي أن يؤتى به إلى آخر أركان هذه العبادة وقت الخروج من الإحرام وذلك عند الرمي، كالتكبير([8]).

 

أما أدلة القول الثاني: وهو قول مالك رحمه الله فهي ما يلي:

 

1: ما نقل عن بعض الصحابة أنهم قطعوا التلبية في يوم عرفة منهم علي وأبي بكر و عمر وعثمان وابن عمر وعائشة [9])   y).

 

 

والجواب عنه من وجهين:

أ- ورد أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يلبي حتى رمى جمرة العقبة، وكذا عمر وعلي فلم يصح النقل عنهم([10]).

 

وعن عكرمة قال: دفعت مع علي بن الحسين من المزدلفة فلم أزل أسمعه يلبي يقول: لبيك، حتى انتهى إلى الجمرة. فقلت له: ما هذا الإهلال يا أبا عبد الله؟ قال: سمعت أبي علي بن أبي طالب يهل حتى انتهى إلى الجمرة، وحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل حتى انتهى إليها([11]).

 

ب- من قطع التلبية عند الرواح لم يكن قطعه لانتهاء وقت التلبية ولكن كانوا يأخذون في غيرها من الذكر كالتكبير والتهليل وغير ذلك.

 

كما استدل مالك رحمه الله بما ورد عن أسامة بن زيد t أنه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم عشية عرفة فكان لا يزيد على التكبير والتهليل وكان إذا وجد فجوة نص([12]).

 

والجواب عنه: هذا لا يمنع من التلبية وقد ورد عن رسول الله آثار تدل على أنه لبى يوم عرفة إلى أن رمى جمرة العقبة وهي آثار متواترة([13]).

 

3- وقد استدل أيضًا بأن التلبية إجابة الداعي فإذا انتهى إلى الموضع الذي دعي إليه فقد أكمل التلبية فلا معنى لاستدامتها بعد ذلك([14]).

 

والجواب: إن الواصل إلى عرفات قد دعي بعده إلى موقف آخر وهو مزدلفة، فإذا انقضى الوقوف بمزدلفة، فقد دعي إلى الجمرة، فإذا شرع في الرمي فقد انقضى دعاؤه، ولم يبقى مكان يدعى إليه محرما، لأن الحلق والذبح يفعله حيث أحب من الحرم وطواف الإفاضة يكون بعد التحلل الأول([15]).

 

 

الراجح:    

     أنه يمكن أن نجمع بين القولين بأن يلبي المحرم حال سيره لا حال وقوفه بعرفة ومزدلفة وحال المبيت بها، والله أعلم.

 

وإن كان القول الأول أقوى من القول الثاني حيث سلامة أدلتهم من المعارضة وإجابتهم بما سبق.


([1]) انظر بدائع الصنائع (2-154)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (2-25)، المجموع (8-142)، الأم (2-221)، المغني(3-220)، حاشية الجمل (2-458)، الفتاوى(26-172).

([2]) انظر الكافي (142)، الفواكه الدواني (1-361).

([3]) رواه البخاري (2-605)ك: الحج ب: التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة والارتداف في السير. ورواه مسلم (2-931)ك: الحج ب:استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر.

([4]) مصنف ابن أبي شيبة (3-375)

([5]) المستدرك على الصحيحين (1-632)وقال:هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه

سنن البيهقي الكبرى (5-138)، مسند أحمد بن حنبل (1-417)

([6]) مصنف ابن أبي شيبة (3-375)

(([7] رواه البخاري(1-330)ك العيدين ب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة.

([8]) انظر بدائع الصنائع (2-154)، المبسوط (4-18)

([9]) موطأ مالك (1-338)

([10]) انظر المحلى

([11]) مصنف ابن أبي شيبة (3-257)

([12]) شرح معاني الآثار (2-223)

(([13] شرح معاني الآثار (2-223)

([14]) انظر المنتقى شرح الموطأ

([15]) انظر الفتاوى (26-173)



بحث عن بحث